الدروس المستفادة من أزمة النظام الصحي البريطاني: بين الإلهام والتحذير

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدروس المستفادة من أزمة النظام الصحي البريطاني: بين الإلهام والتحذير, اليوم الاثنين 20 يناير 2025 04:16 مساءً

أولا: البنية التحتية حجر الزاوية لأي نظام صحي
من خلال دراستي لتقارير النظام الصحي البريطاني وتحليلي لتجربته، يبدو واضحا أن إهمال البنية التحتية يمكن أن يكون بداية لأزمة طويلة الأمد، تقرير جمعية الصناعات الدوائية البريطانية (ABPI) لعام 2023 كشف عن فجوة واضحة:

بريطانيا تمتلك 7 أجهزة تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لكل مليون شخص فقط، مقارنة بمتوسط 15 جهازا في الدول النظيرة.

عدد أَسِرَّة المستشفيات لا يتجاوز 2.5 سرير لكل 1000 شخص، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي.

هذه الأرقام تدفعني للتساؤل: كيف يمكن لنظام صحي أن يستمر في تلبية احتياجات سكانه دون التخطيط لاستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية؟ ومع ما نشهده في المملكة من جهود حثيثة ضمن إطار رؤية السعودية 2030، التي تضع تطوير البنية التحتية الصحية في مقدمة أولوياتها، يظهر التزام واضح بتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال. ومع ذلك، تؤكد التجربة البريطانية أهمية متابعة هذه الاستثمارات بعناية لضمان استدامتها وكفاءتها، تفاديا لتحديات مشابهة في المستقبل.

ثانيا: الكوادر الصحية هي الأساس
تعتمد جودة الرعاية الصحية على الكوادر البشرية، ولكن في بريطانيا تعاني هذه الشريحة من أزمات حادة:

أكثر من 30% من الكوادر الصحية مدربة في الخارج، مما يجعل النظام معرضا للتقلبات العالمية.

مستويات الأجور للأطباء البريطانيين أقل بنسبة 25% مقارنة بأطباء ألمانيا وهولندا، ما يدفع الكثيرين للهجرة.

هذا الدرس يؤكد أهمية توفير بيئات عمل مستقرة وحوافز تنافسية لدعم استدامة القوى العاملة الصحية، وكذلك تطوير آليات استقطاب متوازنة تركز على تأهيل الكفاءات المحلية وتقليل الاعتماد على الكوادر الأجنبية لضمان الاستقرار الوظيفي والكفاءة التشغيلية.

ثالثا: الكفاءة التشغيلية ضرورة لتقليل الهدر
رغم التحديات الكبيرة التي تواجه النظام الصحي البريطاني، إلا أنه يقدم نموذجا يُحتذى به في بعض جوانب الكفاءة التشغيلية وإدارة الموارد:
الأدوية الجنيسة تُستخدم بنسبة تفوق 80% من الوصفات الطبية، مما يوفر مبالغ كبيرة سنويا.

النفقات الإدارية تمثل أقل من 2% من إجمالي الإنفاق الصحي، وهو معدل منخفض عالميا.

هذه الحقائق تؤكد أن الابتكار في إدارة الموارد، سواء عبر تحسين نظم التمويل أو ترشيد استخدام الموارد، يمكن أن يحدث فارقا كبيرا، وفي سياقنا الوطني يمكن الاستفادة من هذا النموذج لتعزيز الكفاءة التشغيلية، بما يحقق التوازن بين الجودة والتكاليف.

رابعا: الوقاية استثمار طويل الأجل
كشفت التجربة البريطانية أهمية الوقاية كاستراتيجية صحية، لكنها أيضا أظهرت بعض الفجوات:

تغطية كبار السن بالتطعيم ضد الإنفلونزا بلغت 72%، لكنها لم تصل إلى النسبة الموصى بها عالميا (75%).

تطعيمات الأطفال بلغت نسبة 90%، لكنها لم تحقق المناعة الجماعية المستهدفة (95%).

يتطلب تخفيف العبء الاستهلاكي للخدمات الصحية تبني نهج شامل يركز على تعزيز برامج الصحة العامة وتطوير استراتيجيات الوقاية من الأمراض، وهذا ما ننتظره من الدور الجديد لهيئة الصحة العامة (وقاية).

خامسا: أهمية المرونة في مواجهة الأزمات
الجائحة الأخيرة أظهرت ضعف مرونة النظام الصحي البريطاني:
ارتفعت قوائم الانتظار بشكل كبير، حيث تراجعت العمليات الجراحية غير الطارئة بنسبة تزيد على 25%.

التأخير في تقديم الرعاية تسبب في وفاة نحو 14 ألف شخص سنويا.
بناء خطط طوارئ مرنة ومستدامة هو استثمار لا يقل أهمية عن تحسين البنية التحتية أو دعم الكوادر الصحية، فالأزمات ليست استثناء، بل جزء من الواقع الذي يجب أن يستعد له أي نظام صحي.

ختاما، التجربة البريطانية في الرعاية الصحية تجمع بين الإلهام والتحذير، فهي تبرز أهمية التوازن بين الابتكار الذي يدفع التطور، والاستدامة التي تضمن بقاء النظام قويا وفعالا، الاستفادة من هذه التجربة محليا تتطلب انتقاء الأفضل ومعالجة الأوجه الضعيفة، لبناء نظام صحي مستدام يحقق طموحات اليوم ويصمد أمام تحديات الغد.

AbdullahAlhadia@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق