نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب وسياسة الهروب إلى الأمام, اليوم السبت 8 فبراير 2025 06:34 مساءً
جاء هذا الإعلان ليشعل الفتيل في النار مجددا، إذ واجهته الدول العربية إجمالا بالرفض، والمعنية منها بالتحذير الشديد من مغبة القيام بذلك، وأن تهجير الفلسطينيين خط أحمر دونه خرط القتاد، وكانت القيادة السعودية أكثر وضوحا وحزما ببيانها الدقيق المؤكد على حل الدولتين كمقدمة لأي سلام مع إسرائيل حاضرا ومستقبلا، بل ووضح حجم الدعم السعودي للأردن ومصر بشكل خاص، أمام أي ضغوط اقتصادية يمكن أن يتعرض لها البلدان بسبب وقف الدعم الأمريكي لهما. وهو ما يعكس قوة المملكة العربية السعودية وحجم دورها القيادي على الصعيد العربي وفي إطار الشرق الأوسط إجمالا.
أشير إلى أن كل هذا الصخب يجري والشعب الفلسطيني غير آبه به، فإيمانه بخطيئة التهجير الأولى كبير جدا، وهي التي أسست لمخيمات اللجوء في عدد من البلدان العربية بكل ما فيها من مآسٍ وأحزان، وبالتالي فلن يكرر التجربة مرة أخرى، ولن يرضى بأن تُقتلع جذوره من أرضه، وأهون عليه أن يموت على أرضه من أن يعيد تجربة التغريبة الفلسطينية المريرة، وهو ما يفسر صمودهم خلال أعمال القتل والإبادة التي تعرضوا لها ويتعرضون لها يوما بعد يوم، بل ويفسر مشهد عودتهم أرتالا على أقدامهم إلى أراضيهم المهدومة غير آبهين بما حل فيها من دمار، وكأني بهم يقولون بصوت عال، هذه أرضنا، ولن نغادرها، وسنموت عليها.
هذا هو الموقف الفلسطيني الشعبي الذي تدركه الإدارة الإسرائيلية ومن ورائها الإدارة الأمريكية والغربية إجمالا، وبالتالي فلا أفهم تصريح الرئيس ترامب إلا في صورته العبثية من جهة، وتكتيكا منه للهروب إلى الأمام من جهة أخرى، إذ وكما بات واضحا فالرئيس ترامب يفكر بعقلين، أحدهما تجاري منخرط في سياسة الصفقات وتكتيكاتها الظاهرة والخفية، والآخر عقل ينتمي إلى ثقافة حلبة المصارعة وما فيها من إظهار للقوة بغرض إرباك الخصم قبل النزال.
وبالتالي فهو يريد أن يتنصل من الالتزام أخلاقيا بالمشاركة في الإعمار لما شاركت أمريكا في هدمه وتدميره بدعمها اللامحدود لإسرائيل وحمايتها لها سياسيا وأمنيا، والقفز كذلك على استذكار جرائم الإبادة المرتكبة، وبالتالي عدم إعطاء الفرصة للدول العربية والإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني عالميا في متابعة محاكمة إسرائيل ومن يدعمها حال ظهور الصورة الكاملة للمأساة، والتي لم تنكشف بعد.
هكذا يكون الرئيس الأمريكي بتصريحه العبثي قد تمكن من تحويل الدفة صوب أمر آخر، وإشغال الناس والحكومات في موضوع جديد، لتصبح جريمة الإبادة من الماضي المنسي، وليلتهي الإعلام والناس عن متابعة الصورة الكاملة لأكبر جريمة إنسانية في الوقت الحاضر، فهل نجح ترامب في ذلك؟
أختم بأن الموقف السعودي صارم في هذا الشأن، وهو داعم للقيادة في الأردن ومصر، ومن قبلهم وبعدهم للقيادة الفلسطينية التي بات واجبا عليها التوحد والخروج من حدة المناكفات البينية، وصار واجبا على كل قياداتها أن تجعل مصلحة الشارع والإنسان مقدما على مصالحهم الخاصة، فيكفي ما جرى من تباين واختلاف، والتاريخ لن يرحم في حكمه، والله قبل ذلك وبعده بصيرٌ خبيرٌ شديدُ العقاب.
0 تعليق