نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصحافة بين الثقافة والحصافة, اليوم الأربعاء 29 يناير 2025 07:43 مساءً
طيف من الذهول في مخيالها كان يجول، تحادث نفسها بهول، وتتساءل كيف يمكنني أن أوازن بين الحقيقة والواقع المجهول، دون أن أحيد عن المعقول، ويكون خبرا مقبولا يصل لعقل القارئ كطرد بُعث مع مرسول.
بينما ظلت التساؤلات والسجالات تتخبط مكابدة في عقل الصحافية، دخل مسن أشيب ذو لحية بيضاء وقد كساها دهر من الشقاء، بملامح تفيض بالوقار وتكتنز بمعتركات الحياة، بادر بتحية الصحافية قبل أن يطلب فنجانا من القهوة.
"ماذا تكتبين؟" سألها المسن بنبرة من التوق.
ابتسمت الصحافية ابتسامة تندر وأجابت "أكتب عن الصحافة، كيف يمكن أن تكون جسرا للحقيقة".
صفن المسن برهة ثم قال: يُحكى أن مجموعة من الأشخاص فاقدي البصر، كُلفوا أن يتحسسوا فيلا بأيديهم، وكان كل منهم يتحسس جزءا مختلفا من الفيل، أحدهم يلمس الساق ويصفه بأنه شجرة ضخمة، وآخر يلمس الأذن ويعتقد أن الفيل هو عبارة عن مروحة كبيرة، وآخر يلمس الذيل ويظن أن الفيل هو حبل طويل. كل منهم كان على يقين بأن ما وصفه هو الحقيقة، ولكنهم لم يكونوا مدركين أن كلا منهم كان يختبر جزءا فقط من الصورة الكاملة، انتهى.
واستطرد المسن بعد أن ارتشف القهوة قائلا: أنتِ كالأكمه الذي يتحسس الفيل، قد يخيل له جزء من الحقيقة فقط، وهذا ما يحدث عندما تقيدين تجربتك الشخصية أو خلفيتك الثقافية وحتى توجهاتك في الحياة التي تعكس مقالاتك الصحفية. الصحافة يا ابنتي ليست مجرد تدوين للكلمات فحسب، هي رسالة تبتهل المصداقية وتتوسل الفهم وتنشد الأحداث بواقعها العميق والبعيد، تتقصى الأخبار لتنشد الحقيقة، تتوق لسرد القصص المخبأة وربما المتوارية خلف المفردات، تنال من جميع المغالطات وتبطل كل التُرهات العابرة، تتخلى عن الكلمات التي تسللت خلسة من الباب الخلفي كالمحتالة، وسرقت قصصا افتقرت للمصداقية وسئمنا من نشرها مرارا وتكرارا.
في الختام، الصحافة هي تلاقح بين الثقافة والحصافة، بين الحقيقة والقدرة على استيعابها، الصحافة ليست مهنة، بل هي سلاح يحمل عبئا ثقافيا يسأل عن الحقيقة مرغما لا بطلا، ينقب فكرا عميقا يرتاد الحذر في كل كلمة تُقال.
ويخيّل إلى المرء أن الكتابة عن شيء يحبه أمر هين يسير، وأن حبه للكتابة كافٍ ليجعل منه صحافيا فذا.
0 تعليق