نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل حان الوقت لتأسيس أكاديميات للقطاع الخيري؟, اليوم الأحد 26 يناير 2025 09:33 مساءً
ومن الاستحقاقات أن هذا النمو الكبير يحتاج إلى إعادة هيكلة في جوانبه العلمية والمعرفية، ويتطلب دراسات عميقة للقطاع بمناهجه وكُتبه المقترحة، وثقافته وأدبياته المأمولة، لتحقيق الأثر المجتمعي العميق للقطاع، لا سيما مع هذا التوظيف الكبير والتطوع الواسع.
أهمية البناء المعرفي:
ما سبق من إحصاءات وأهمية، يؤكد على وجوب وضرورة العناية العلمية والمعرفية أكثر بحق هذا القطاع ومنسوبيه، حيث الأهمية تتضاعف مع هذا التوسع الكبير، والتوظيف الكثير، والتطوع المفتوح، والتطلعات الطموحة، وهو ما يُوجب تأصيل قِيَم القطاع في القطاع ذاته وفي المجتمع، من خلال ترسيخ قِيَم الاحتساب والبذل والعطاء، والتضحية والتطوع، وتعزيز مفاهيم الإحسان والشراكة، والإسهام الوقفي والخيري المجتمعي، إضافة إلى تعزيز الهوية الخيرية لمنسوبي هذا القطاع ومتطوعيه، وارتقاء وسائل وأدوات العمل المؤسسي والإداري للعاملين والمتطوعين؛ حيث لم تصبح الأعمال الخيرية الإدارية والتطوعية محكومة بالعواطف الدينية والرغبات والمظاهر فحسب، بل لا بد من برامج علمية للتطوير والارتقاء المعرفي بمفاهيم هذا القطاع، وذلك للعمل على تطبيع ثقافة القطاع مجتمعيا، بإدخالها في مناهج التعليم العام والجامعات، وإنشاء التخصصات العلمية، لتسهم في ترسيخ قِيَم هذا القطاع وثقافته لدى المجتمع ومنسوبيه، وتغذي الشباب من العاملين والمتطوعين بالقِيَم والمهارات التي تساعد على جودة العمل، وتنمي التطوع وتُرشِّدُه بالدورات وتنمية المهارات التطوعية.
ومن مخرجات هذا البناء المعرفي أن يرتبط التوظيف والتطوع لهذا القطاع بالجانب الثقافي والمعرفي، بل وتكون المنافسة الوظيفية قائمة على الاختبارات في عمليات التوظيف والترقيات داخل القطاع.
ومن يطلع على ميثاق القطاع الخيري الصادر من وزارة الموارد البشرية تتأكد لديه أهمية التأصيل العلمي والمعرفي للقيم الخاصة بهذا القطاع وسمات منسوبيه، من قِيَم التشريعات الإسلامية، ومخزون التراث التاريخي العام، والاستفادة من التجارب الغربية بوسائلها الإدارية الناجحة.
التطبيع المعرفي والأكاديميات:
وحول ما سبق عن طموحات هذا القطاع، وأهمية التأهيل لمنسوبيه من موظفين ومتطوعين بالبرامج والدورات والندوات التثقيفية، تتأكد الحاجة والضرورة للأكاديميات الخاصة بالقطاع الخيري وغير الربحي على مستوى القطاع والمجتمع، لا سيما حينما يكون التأسيس لهذه الأكاديميات من خلال القطاع ذاته، أو من المانحين والموقفين وبأسمائهم لتشجيع الشراكة والتنافس.
وتهدف هذه الأكاديميات في هذا القطاع، إلى بناء القيادات والقدرات والكفاءات والصفوف الأولى والثانية له، كما تهدف إلى تخريج الطاقات بشهادات مهنية، وموظفين تنفيذيين ومتطوعين محترفين، وممكن أن تكون برسوم رمزية أو رعايات مانحة، وتتضاعف أهمية التطوير العلمي والمعرفي والإداري في بنية هذا القطاع والاستثمار فيه، من خلال هذه الأكاديميات ومناهجها، وما يمكن أن تقدمه من الدبلومات المهنية بتخصصاتها المختلفة، والدورات التثقيفية المتنوعة التي يمكن أن تطرحها.
وتعد الأكاديميات من البنى الرئيسية للقطاع في الحلول المثالية؛ لإخراج جيل يستوعب قِيَم ومبادئ وأدوار القطاع في المجتمع، وليكون العمل الوظيفي والتطوع في هذا القطاع رسالة، فضلا عن كونه وظيفة، وللانتقال من فرض التطوع إلى تشجيعه بروح علمية ومعرفية ترسخ الانتماء الخيري والتطوعي.
ويمكن أن تستعين هذه الأكاديميات بالخبراء المتخصصين من الجامعات المحلية والجامعات الغربية المهتمة بهذا القطاع، كما هي جامعة إنديانابوليس الأمريكية (IUPUI) ممثلة بمركز الإحسان (philanthropy center) المعنية بالرصد الداخلي للقطاع غير الربحي الأمريكي، وكما هي جامعة جونز هوبكنز الأمريكية Johns Hopkins المعنية بالأبحاث والدراسات للقطاع الخيري عالميا.
فالقطاع بصورته المأمولة والطموحة، يتطلب أكاديميات تقدم برامج تعليمية وتدريبية، بأساليب وبرامج (الدبلومات المهنية) و(الدورات التأهيلية)، وأهمية أن تكون المناهج تطبيقية مهارية، مع ضرورة توثيق التجارب الناجحة وغير الناجحة من واقع الممارسات الميدانية في القطاع؛ إضافة إلى الاستعانة ببعض الأساتذة الممارسين للعمل الخيري، لتسهم هذه جميعا في بناء قِيَم ومبادئ القطاع الخيري في المجتمع؛ ولتعزز قوة المنطلقات والدوافع والأهداف، ولتنعكس على مدخلات ومخرجات هذا القطاع.
وهذه الأكاديميات المقترحة تتكامل مع الموجود في بعض الجامعات من الدبلومات المتخصصة في جوانب هذا القطاع، إضافة إلى بعض الكراسي العلمية المعنية بالقطاع المسهمة بالارتقاء العلمي والمعرفي، حيث لا يمكن لهذه الأكاديميات الرسمية أن تقوم بهذا الدور المأمول لوحدها، فالتوسع كبير، والمتطلبات أكثر، وهي من أوليات حقوق هذا القطاع واستحقاقاته على المعنيين والمانحين والموقفين.
ومن الجدير ذكره والتنبيه إليه أن المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) الذي أسسه معالي الشيخ صالح الحصين - رحمه الله - مع نخبة من المهتمين في هذا القطاع، والذي يقدم الدراسات والاستشارات لهذا القطاع بصورة منافسة للمراكز البحثية الاجتماعية العالمية، قد أعد دراسة جدوى للأكاديميات المقترحة، بالتعاون والشراكة مع أوقاف الضحيان وشركة (مؤشرات الغد) وهذه الدراسة تؤكد (الأهمية) و(الجدوى الاقتصادية) للقطاع الخيري ذاته ماديا ومعنويا، وقد تم عملها بعنوان (مشروع دراسة الجدوى الاقتصادية لأكاديمية العمل الخيري) وذلك عام 2019م.
ومما ورد من (الأهمية) في هذه الدراسة التفصيلية الكبيرة، التي غطت أكثر من 200 صفحة، أنها قامت على استطلاعات الرأي الأكاديمية «أظهرت نتائج الاستطلاع، أن دبلوم الإدارة التنفيذية للقطاع غير الربحي هو الأكثر أهمية، يليه دبلوم إدارة المتطوعين، ثم دبلوم قيادة العمل الخيري، ثم دبلوم إدارة الأوقاف وتنميتها. كما أظهرت النتائج أن الدورات الأكثر اختيارا هي على الترتيب: إدارة البرامج والمشاريع التنموية، ثم الإدارة التنفيذية، ثم أخلاقيات العمل الخيري، ثم نماذج عالمية لإدارة المنظمات الخيرية، ثم باقي الدورات».
0 تعليق