تحقيق: أمير السني
شهدت السنوات الأخيرة تحولاً كبيراً في طرق التعليم والتعلم وأداء الواجبات المنزلية، وذلك بسبب استخدام الأجهزة الإلكترونية مثل الحواسيب والهواتف الذكية، وبينما تسهم هذه الأدوات في تسهيل الوصول إلى المعرفة وتوفير الوقت، إلا أن هناك قلقاً متزايداً بين المعلمين بشأن تأثيرها في مهارات الكتابة والخط والتعبير لدى الطلاب. واتفقت آراء تربويين ومتخصصين على أن الدمج بين حل الواجب تقليدياً وإلكترونياً في المدارس هو أمر حيوي، وذلك بتطوير المهارات الكتابية والفكرية عبر الكتابة اليدوية لتعزيز التفكير العميق والتركيز، مع الاستفادة من الكتابة الإلكترونية في تحسين السرعة والتنظيم، ولفتوا إلى ضرورة أن تتبنى المدارس هذه الاستراتيجية لتحقيق التوازن بين الأسلوبين في العملية التعليمية.
لفت فارس الزهراني، معلم اللغة العربية بإحدى المدارس الخاصة، إلى أنه لاحظ الطلاب يعتمدون بشكل كامل على الأجهزة الإلكترونية لكتابة واجباتهم، ومع مرور الوقت، تراجع مستوى الخط اليدوي لدى العديد منهم، وفي كثير من الحالات يجدون صعوبة في كتابة نصوص بخط واضح ومنظم، وهو ما يؤثر سلباً في مهاراتهم الكتابية بشكل عام.
وأشار إلى أن الكتابة اليدوية تسهم في تعزيز المهارات الحركية الدقيقة، بينما لا توفر الأجهزة الإلكترونية نفس التأثير في تحسين الخط أو التنسيق بين الأفكار، وأنها ليست مجرد وسيلة لنقل الأفكار، بل هي عملية معقدة تتطلب تنسيقاً بين العقل واليد.
واعتبر أن الدمج بين الكتابة الإلكترونية والتقليدية يوفر للطلاب الأدوات والفرص لتطوير مهارات الكتابة لديهم، وأنه لو كان لكل أسلوب مزايا وعيوب، فإن تكاملهما، يحسن جودة الكتابة ويعزز المهارات الحركية والتفكير النقدي والإبداعي.
وأكد أن الكتابة اليدوية تساعد على تقليل التشتت المرتبط بالأجهزة الإلكترونية في البيئة التعليمية التقليدية، كما يُظهر الطلاب الذين يكتبون يدوياً قدرة أفضل على التركيز على الموضوعات المعروضة ويؤدون بشكل أكاديمي أعلى، لما توفره الكتابة من بيئة خالية من الملهيات، ما يسمح بالتفاعل مع المادة الدراسية بشكل أعمق، كما تسهم في تعزيز المهارات الحركية الدقيقة، وخاصة الأطفال، فعندما يكتب الطلاب يدوياً، فإنهم يستخدمون مجموعة من العضلات الصغيرة في اليد والمعصم والأصابع، ما يساعد على تنمية هذه المهارات التي تؤدي دوراً مهماً في العديد من الأنشطة اليومية.
وأشار إلى أن الكتابة اليدوية تعزز القدرة على التركيز والتنظيم البصري، وتتطلب تنسيقاً دقيقاً بين اليد والعين، وعندما ينظر الطالب إلى الكلمات أثناء كتابتها، يتطلب الأمر تدقيقاً في الشكل والكتابة مع الحفاظ على التوازن بين الحركات الدقيقة لليد والرؤية البصرية.
دقة التعبير
توضح سارة الصافي، مرشدة أكاديمية، أن الطلاب الذين يعتمدون بشكل مفرط على الأجهزة الإلكترونية في أداء الواجبات، يصبحون أقل دقة في تعبيراتهم، وأن البرامج التلقائية مثل التصحيح الإملائي قد تعطيهم شعوراً زائفاً بالكفاءة، ما يجعلهم يتجاهلون الأخطاء الإملائية والنحوية التي تحدث أثناء الكتابة.
وقالت إن الكتابة اليدوية ليست مجرد وسيلة لإنجاز الواجبات المدرسية أو الكتابة التعبيرية، بل أداة فعّالة في تنمية المهارات الحركية الدقيقة التي يحتاج إليها الطلاب في حياتهم اليومية، كونها تسهم في تحسين التنسيق بين اليد والعين، وتقوية عضلات اليد، وتعزيز التركيز والذاكرة، وفي عالم تزداد فيه التكنولوجيا بشكل متسارع، يبقى للكتابة اليدوية دور أساسي في تنمية مهارات الطلاب بشكل متكامل.
وأشارت إلى أن تطور التكنولوجيا واعتماد الطلاب على الأجهزة الإلكترونية في أداء الواجبات المدرسية والكتابة، أدى إلى تغيير جذري في كيفية تفاعلهم مع المهام الكتابية، وعلى الرغم من أن الكتابة الإلكترونية توفر العديد من الفوائد من حيث السرعة والسهولة، فإن لها تأثيرات سلبية ملحوظة على مهارات الكتابة لدى الطلاب، ما يثير قلق المعلمين والأكاديميين.
وتؤكد أن استخدام الأجهزة الإلكترونية في حل الواجبات يسهم في تحسين مهارات البحث والتنظيم، بينما لا تزال الكتابة اليدوية ضرورية لتطوير القدرات الحركية الدقيقة، وترى أن الدمج بين الأسلوبين يمكن أن يساعد الطلاب على الوصول إلى توازن بين السرعة والجودة، ويعزز قدرتهم على التعامل مع التحديات الكتابية المختلفة.
التفكير النقدي
قال محمد الحربي، مختص في التعليم التكنولوجي، إن الطلاب الذين يؤدون الواجبات المنزلية على الأجهزة الإلكترونية يميلون إلى استخدام القوالب الجاهزة أو النسخ واللصق من الإنترنت بدلاً من التفكير النقدي والإبداعي، وهي سلوكيات تحد من قدرتهم على تطوير أفكارهم بشكل مستقل، وبدلاً من أن يكون الطلاب قادرين على تنظيم أفكارهم بشكل حر، يجدون أنفسهم غالباً محصورين في قالب أو نص جاهز لا يتطلب منهم التفكير أو التعبير عن وجهات نظرهم الخاصة.
ويضيف أن الطلاب يواجهون ضغوطاً نفسية بسبب الكم الهائل من الواجبات المنزلية، وتكون كثيرة ومعقدة، ما يؤدي إلى شعورهم بالإرهاق، وعندما لا يكون لدى الطالب وقت كافٍ أو طاقة لإنجاز هذه الواجبات بشكل جيد، يقوم بذلك بشكل آلي وسريع من دون التركيز على الفهم العميق للموضوع.
ويرى أن الكتابة اليدوية تعزز التفكير العميق والتخطيط المسبق، بينما توفر الكتابة الإلكترونية العديد من الأدوات التي تسهم في تطوير مهارات البحث والتحرير بسرعة، وإذا تم دمج الأسلوبين بشكل صحيح، يمكن للطلاب الاستفادة من مزايا كل منهما، وإن الكتابة اليدوية تساعد على تحسين التنسيق بين اليد والعين، بينما تسهل الكتابة الإلكترونية مراجعة الأفكار وتنظيم النصوص بشكل أسرع.
وأضاف أن الأدوات الرقمية تعد مصدراً رائعاً لتنمية المهارات البحثية وتنظيم الأفكار، ولكن لا ينبغي إغفال الكتابة اليدوية التي تتطلب مهارات حركية دقيقة وتقوي الذاكرة الحركية.
ضعف المهارات
تشير فاطمة العتيبي، مرشدة أكاديمية، إلى أن الطلاب أصبحوا يميلون إلى كتابة نصوص قصيرة ومتقطعة باستخدام الأجهزة الإلكترونية، ما يؤدي إلى فقدان العمق والإبداع في الكتابة، في الوقت الذي تحتاج فيه الكتابة الأدبية إلى تفكير طويل، يبدو أن الكتابة الإلكترونية تشجع على الأسلوب المختصر وغير المترابط.
ولفتت إلى أن هذا النوع من الكتابة المختصرة أو السطحية غير مناسب لتطوير مهارات التعبير الأدبي أو الإبداعي، وأن استخدام التطبيقات الإلكترونية في حل الواجبات المنزلية يقلل من فرص التفاعل المباشر بين الطالب والمعلم، وأن هذه العلاقة مهمة جداً لفهم احتياجات الطالب التعليمية وتعزيز الثقة بالنفس، وذلك لأن التعليم لا يقتصر على نقل المعرفة فقط، بل يتضمن بناء شخصية الطالب.
وأكدت أن التكنولوجيا يجب أن تكون وسيلة داعمة وليست بديلة عن العلاقة التربوية التقليدية، وأن الطالب عندما يكتب يدوياً، يضطر إلى التفكير بعمق في كل كلمة وجملة قبل كتابتها، وهذه العملية تجعل النص أكثر تنظيماً ودقة، وفي الوقت نفسه، يمكن للكتابة الإلكترونية تسريع عملية الكتابة، لكنها قد تؤدي إلى فقدان بعض الجوانب الإبداعية التي تميز الكتابة اليدوية.
قدرات متعددة
أوضح أحمد حمزة، مرشد أكاديمي، أنه من خلال الواجبات الإلكترونية، يصبح من الصعب على الطلاب تنظيم أفكارهم أو كتابة نصوص منسقة بشكل جيد، بينما الكتابة اليدوية تمنحهم فرصة لتنظيم أفكارهم تدريجياً، ويؤدي استخدام الأجهزة الإلكترونية إلى الكتابة بشكل عشوائي أو مرتبك في كثير من الأحيان.
وأشار إلى أن استخدام الأجهزة لا يعزز مهارة التفكير المنظم أو تقديم المعلومات بطريقة سلسة ومترابطة، ما يقلل من قدرة الطلاب على إتمام مهام الكتابة المعقدة، ولفت إلى أن التدريب على مهارات الخط يتطلب وقتاً وجهداً، لكنه يعد استثماراً مهماً في تنمية المهارات، ومن خلال الأنشطة المتنوعة والممارسة المستمرة، يمكن للطلاب تحسين خطهم وزيادة قدرتهم على التعبير الكتابي بشكل منظم وجميل.
وأوضح أنه يجب على الطلاب أن لا يعتمدوا بشكل كبير على أدوات التصحيح التلقائي في الأجهزة، ما يجعلهم يتجاهلون تعلم كيفية تصحيح أخطائهم بأنفسهم، وفي العديد من الحالات، يجدون أنفسهم يكتبون جملاً مملوءة بالأخطاء الإملائية والنحوية، لكنهم لا ينتبهون إليها، لأن التصحيح التلقائي يقوم بذلك، وهذه الأدوات تجعل الطلاب يشعرون بالاطمئنان الزائف، ما يعوق تطوير مهاراتهم في الكتابة الدقيقة والصحيحة.
ودعا إلى تخصيص وقت منتظم للكتابة اليدوية في المناهج الدراسية للتشجيع على تحسين الخط وتنظيم الأفكار، والتفكير الإبداعي والنقدي، من خلال تكليف الطلاب بمهام كتابة تتطلب منهم استخدام مهاراتهم الشخصية بدلاً من الاعتماد على القوالب الجاهزة، وكتابة نصوص حرة أو قصص قصيرة لتطوير قدرتهم على التعبير بطرق شخصية وغير تقليدية.
مهام متنوعة
أوضحت هند مصطفى، مرشدة أكاديمية، أن استخدام الأجهزة الإلكترونية في أداء الواجبات الدراسية، يمكن أن يسهم في تسهيل العديد من جوانب التعليم، لكنها قد تؤدي إلى تراجع مهارات الكتابة والخط والتعبير إذا تم الاعتماد عليها بشكل مفرط. يتطلب الأمر إيجاد توازن بين استخدام التكنولوجيا وتعزيز المهارات التقليدية التي تسهم في تطوير الطلاب بشكل شامل.
ودعت إلى دمج مهام الكتابة التقليدية والإلكترونية، بحيث يتسنى للطلاب تحسين مهارات الكتابة اليدوية إلى جانب تطوير مهارات الكتابة الإلكترونية بشكل متوازن، وتقديم إرشادات للطلاب حول أهمية التدقيق اللغوي والتعبير السليم، والاهتمام بجودة النصوص بدلاً من الاعتماد على التصحيح التلقائي.
وقالت إن الكتابة اليدوية تتطلب تركيزاً أكبر من الإلكترونية، حيث يتعين على الطلاب تنظيم أفكارهم بشكل منظم، ومن جهة أخرى، تقدم الكتابة الإلكترونية فرصًا لتحرير النصوص وتنظيمها بشكل أسرع، وأن التوازن بين الأسلوبين يساعد على تقوية الذاكرة والتركيز على المحتوى الكتابي بشكل أفضل.
0 تعليق