أمريكا 2024.. عام التحولات الكبرى والفوز الساحق لترامب

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

سيتوقف المؤرخون طويلاً عند 2024 في الولايات المتحدة الأمريكية، العام الذي شهد واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة لما تخللها من أحداث ومفاجآت، مثل تخلي الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن عن السباق الرئاسي تحت ضغط من حزبه لصالح نائبته كامالا هاريس، ومحاولتي الاغتيال الهوليوديتين اللتين تعرض لهما المرشح الجمهوري، والفائز لاحقاً، دونالد ترامب، فضلاً عن مشاهد محاكمته، وقد واكب المشهد الأمريكي تحولات لا تقل إثارة في العالم وجدت الولايات المتحدة نفسها فيها على مفترق طرق، وربما بحاجة إلى انتهاج سياسة جديدة لاستيعاب التحولات الدولية العديدة التي لا تخطئها العين.
بداية عام 2024 كانت صاخبة بامتياز، لأنها سنة انتخابية، وقد بدأت بمعركتين منفصلتين لتصعيد مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وما كان لافتاً منذ بدء السباق، أن احتمالات فوز ترامب كانت مرتفعة وفق أغلبية استطلاعات الرأي التي قدمته وبنسب كبيرة عن منافسه بايدن، نظراً إلى تمتعه بقاعدة عريضة من المؤيدين الجمهوريين الذين احتشدوا خلفه لاستعادة البيت الأبيض، وهو ما حدث بانتصار ساحق في الرابع من نوفمبر 2024.
لقد حفل العام المنقضي بقصص أمريكية كثيرة، كان ترامب بطلها المفضل، حتى وهو خارج السلطة، فقد كان صانع الحدث بلا منازع، إما بتصريحاته المثيرة حول القضايا الخلافية الداخلية والخارجية، أو بمشاهد محاكمته في قضايا الرشوة و«شراء صمت ممثلة»، أو في محاولة اغتياله الأولى. وقد كان لذلك الحدث صدى كبير ومؤثر في الأحداث بعدها. ففي 13 يوليو 2024، نجا ترامب من محاولة اغتيال أثناء إلقائه خطاباً في تجمع انتخابي بالقرب من بتلر، في بنسلفانيا. وقد أُصيب برصاصة في الجزء العلوي من أذنه اليمنى من قبل توماس ماثيو كروكس، وهو شاب يبلغ من العمر 20 عاماً من بيتل بارك بنسلفانيا أطلق ثماني طلقات من بندقية من طراز إيه آر-15 من فوق سطح مبنى يقع على بعد نحو 400 قدم (120 متراً) من المنصة. وقد قتل كروكس أحد الحاضرين وأصاب بجروح خطرة اثنين آخرين من الحضور. وتم إطلاق النار على كروكس وقتله على يد فريق القناصة المضاد التابع للخدمة السرية الأمريكية.
ولا شك أن تلك المحاولة، التي شكك فيها كثيرون واعتبروها «مسرحية»، عادت بفوائد وأكسبت المرشح الجمهوري تعاطفاً واسعاً، أردفتها لاحقاً محاولة اغتيال ثانية عندما كان يلعب الجولف في منتجعه المطل على المحيط في فلوريدا. وكانت هذه المحاولة فرصة ثانية لترامب، استخدمها سلاحاً ضد خصومه الديمقراطيين، وقد عزا استهدافه إلى «خطاب» كل من الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، مؤكداً أن «خطابهما يؤدي إلى تعرضي لإطلاق نار».
وقبل ذلك وعندما انسحب بايدن من السباق وتزعمت نائبته هاريس الديمقراطيين، انقلبت استطلاعات الرأي، وأصبحت تعطي الأولوية لهاريس بدلاً من ترامب، وقد زاد ذلك في سخونة السباق، وألهب حماس المناوئين للمرشح الجمهوري، خصوصاً في دول الاتحاد الأوروبي، الذين يخشون قدومه، ولكن صناديق الاقتراع حسمت السباق بمفاجأة مدوية، فقد انتهت الانتخابات الأمريكية بما كان مستبعداً في استطلاعات الرأي الأخيرة، إذ حقق ترامب نصراً ساحقاً على هاريس بأغلبية 277 مقعداً في المجمع الانتخابي مقابل 224. كما فاز ترامب، الذي وعد بكسب 315 لكبار الناخبين، بالأغلبية الشعبية، وهو ما لم يحصل عليه أمام هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، كما سيطر حزبه على مجلس الشيوخ، وبفارق عشرة مقاعد مضافاً إلى السيطرة على مجلس النواب مع توسيع الفارق. وبذلك تكون النتيجة النهائية أن ترامب والجمهوريين قد هيمنوا على السلطة السياسية والتشريعية دون مقاومة حقيقية من الحزب الآخر. ويظهر جانب آخر من صورة النصر أن الأمريكيين تكتلوا فعلاً لإسقاط النخبة الليبرالية الديمقراطية التي استخفت مرتين بترامب وحقق الفوز في واقعتين انتخابيتين، الأولى أمام كلينتون 2016 والثانية أمام هاريس 2024.
بعد الانتخابات دانت الولايات المتحدة لانتصار ترامب، الرئيس السابع والأربعون للبيت الأبيض، وسط خشية لدى الديمقراطيين من حملة تصفية حساب قد تشمل زعماء ومسؤولين ومؤسسات، أما في الخارج فإن الترقب بات سيد الموقف حتى يوم تنصيبه، ويبدو أن الأوروبيين هم الأكثر قلقاً من عودة الملياردير الذي توعّد بانتهاج سياسة جديدة للولايات المتحدة تجاه حلفائها، وهو ما أثار «مخاوف عميقة» لدى القارة العجوز من الولاية الثانية لترامب، وتأثيرها في العلاقات عبر الأطلسي.

ويؤكد كثير من الخبراء أن الحلفاء الأوروبيين يستعدون لرحلة عاصفة مع ترامب تمتد أربع سنوات، وخصوصاً دولة مثل ألمانيا، التي قد تجد نفسها في مواجهة مع الإدارة الجديدة، إذ تثير تقلبات ترامب وحلفائه غير المتوقعة أكبر المخاوف لدى السياسيين الألمان، فبعد حادث الدهس الإجرامي الذي حدث في مدينة ماغديبورغ، لم يتوان الملياردير الأمريكي الداعم لترامب إيلون ماسك عن مطالبة المستشار أولاف شولتس بالاستقالة، وهو الذي تم حجب الثقة عنه قبل ذلك بانتظار انتخابات مبكرة في فبراير المقبل، بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية في ألمانيا. وخلال الحملة الانتخابية تعهد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 20 في المئة على كل المنتجات المستوردة من الخارج، وهو تهديد يقلق الشركات الألمانية التي تعتمد بشكل كبير على التصدير.
خلافات مع «الناتو»
ومن ضمن التحولات الخطرة، التي أحدثها ترامب، تهديده المتزايد بمراجعة العلاقة مع حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو ما يمثل مصدر قلق أيضاً. وخلال إدارته الأولى، كان من الصعب منعه من التخلي عن التحالف العسكري، وقبيل ولايته الثانية، قال إنه لن يدعم سوى حلفاء الناتو الأوروبيين الذين «يتعاملون بشكل مناسب» مع الولايات المتحدة عسكرياً، وقال: «لقد استغل حلف شمال الأطلسي بلادنا، واستفادت الدول الأوروبية منه». وتتحمل الولايات المتحدة في الوقت الحالي نصيب الأسد من نفقات حلف الناتو، وتوفر أغلبية القوات والقدرات الأساسية في مجال الاستطلاع والخدمات اللوجستية. ومن الممكن لترامب، الذي كثيراً ما وصف عضوية الناتو بأنَّها مكلفة جداً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، أن يقلل كثيراً من حجم هذا الالتزام، بل بعض الخبراء يميلون إلى القول بأن ترامب يرى في أوروبا «عدواً»، لذا يجب عليها أن تقدم نفسها كلاعب موحد. وهناك موضوع آخر يسبب صداعاً للأوروبيين، وهو موضوع المساعدات العسكرية لأوكرانيا في مواجهة روسيا، إذ تعد الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن أكبر دولة مانحة، وتليها ألمانيا، فيما تثير تصريحات ترامب حول هذا الموضوع المخاوف من عدم منحه أي مساعدات أمريكية أخرى، وهو ما يعني منح روسيا نصراً عزيزاً سعى الأوروبيون مع إدارة بايدن إلى منع حدوثه.
العلاقات مع القوى الكبرى
ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي المقبل سيضطر إلى العمل في عالم يواجه أعظم مواجهة منذ الحرب الباردة، وهي المواجهة بين القوى الكبرى، وهو عالم مختلف عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات. ولذلك كانت من أهم تعهداته أنه سيعمل على إنهاء الحروب، في أوكرانيا والشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة. وقبل شهر من توليه منصبه أعرب عن تطلعه للقاء بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بينما لا تزال خطته للسلام هناك غامضة وتثير قلق الأوروبيين الذين يخشون صفقة ما بين واشنطن وموسكو، وهو ما أفصحت عنه صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً، حين أشارت إلى أن بوتين يريد الجلوس مع ترامب المتعطش لاتفاقية سلام في أوكرانيا تظهره صانع سلام، ويأمل في إغرائه بإنشاء نظام عالمي جديد قائم على المعاملات دون قواعد أو حقوق إنسان، ليقسما العالم إلى مناطق نفوذ بينهما. كما أشارت إلى أن بوتين يسعى إلى إبرام صفقة كبرى بشأن الأمن الأوروبي، تترك أوكرانيا تحت رحمة الكرملين، وتضعف «الناتو» وتعزز مكانة روسيا كقوة عالمية.
من المؤكد أن عودة ترامب إلى قيادة أعظم دولة في العالم، فاقم الانقسام الأمريكي والعالمي حول هذه الشخصية المثيرة للجدل، وبما أن الوضع الدولي غير قابل للتنبؤ، فإن سياسات ترامب وتصرفاته غير قابلة للتنبؤ أيضاً، وهو ما يترك الباب مفتوحاً على عهد جديد مختلف عما سبق، وربما يكون فاصلاً مهماً بين زمنين.

حكومة مليارديرات تحكم البيت الأبيض

اعتباراً من 20 يناير المقبل، يتوجه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وحكومته الجديدة لإدارة البلاد، في ولاية تشهد وجود عدد من المليارديرات تحت مظلة الرئيس الملياردير كذلك.

وتجمع إدارة الرئيس المنتخب عدداً من المليارديرات الذين تبلغ ثرواتهم الإجمالية ما لا يقل عن 360 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق الناتج المحلي الإجمالي ل 169 دولة، وفق بيانات مؤشر فوربس للمليارديرات، وفق وكالة «الأناضول».

وترامب نفسه هو أغنى رئيس في تاريخ البلاد، بثروة صافية تقدر بنحو 5.6 مليار دولار، وفقاً لمجلة فوربس، بينما وصلت إلى قرابة 8 مليارات دولار قبيل أسابيع من موعد الانتخابات بسبب ارتفاع أسعار شركته «تروث سوشال».

وفي حال أكد مجلس الشيوخ الأمريكي اختيارات ترامب، فسيحطم بسهولة رقمه القياسي الذي سجله في حكومته الأولى بوجود ملياردير واحد، وهي وزيرة التعليم بيتسي ديفوس، التي كانت تملك ثروة صافية مجتمعة تبلغ حوالي ملياري دولار، وفقاً ل «بزنس إنسايدر».

وبحسب بيانات مؤشر فوربس للمليارديرات حتى 24 نوفمبر الماضي، تضم حكومة ترامب الجديدة حتى ذلك التاريخ، قائمة المليارديرات الآتية:

- دونالد ترامب (5.6 مليار دولار): تعتمد ثروته على عقارات تشمل فنادق وملاعب غولف، إضافة إلى حصته في مجموعة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به.

- إيلون ماسك (349 مليار دولار): سيرأس لجنة «كفاءة الحكومة» لتحسين الإنفاق العام، وهو رئيس شركة تسلا ومالك منصة إكس، ولديه شركات مثل سبيس إكس وستارلينك ونيورالينك.

- ليندا مكماهون (2.5 مليار دولار): مؤسسة مشاركة في «دبليو دبليو إي» وستقود وزارة التعليم.

- هوارد لوتنيك (1.5 مليار دولار): رئيس شركة «كانتور فيتزجيرالد»، سيقود وزارة التجارة ويؤيد فرض التعريفات الجمركية على الواردات من الخارج لتعزيز المنتجات الأمريكية.

- فيفيك راماسوامي (1.1 مليار دولار): رجل أعمال ومرشح سابق للرئاسة، سيشارك في تخفيض حجم الحكومة الفيدرالية وزيادة الكفاءة.

- دوج بورجم (1.1 مليار دولار): حاكم ولاية نورث داكوتا، سيشرف على الموارد الطبيعية والأراضي الفيدرالية وزيرًا للداخلية.

- سكوت بيسينت (1.1 مليار دولار): مدير استثمار، ومرشح ترامب لوزارة الخزانة وتقديم الاستشارات بشأن السياسات الاقتصادية والمالية.

واشنطن وبكين: علاقة متوترة و«رسائل غامضة»

تتجه العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين نحو مرحلة جديدة من التصعيد، مع تزايد المؤشرات إلى عودة المواجهات التجارية، في ظل إدارة دونالد ترامب المرتقبة.

وبينما تستعد واشنطن لفرض تعريفات جمركية مشددة على السلع الصينية، تتأهب بكين لاتخاذ إجراءات مضادة، قد تمتد تأثيراتها إلى الاقتصاد الأمريكي والعالمي، لكن البلدين يتبادلان بعض الرسائل الغامضة بشأن مستقبل العلاقات بينهما، وبعد سلسلة طويلة من التهديدات والتعهدات، قال ترامب مؤخراً إن واشنطن وبكين يمكنهما العمل معاً لحل جميع مشاكل العالم، واصفاً نظيره الصيني بأنه «رجل مذهل»، بينما يرجح مراقبون أن تكون العلاقات الاقتصادية والتجارية متوترة، إذا تبنى ترامب ممارسات مماثلة لما كان عليه الحال خلال فترة ولايته السابقة، مثل إقامة الحواجز التجارية وفرض القيود على التكنولوجيا واعتماد ضوابط للتصدير. وبالمقابل، يسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى جعل موقف بلاده من العلاقة مع الولايات المتحدة واضحاً بشكل لا لبس فيه. وتحدث شي، في خطاباته وتصريحاته المتعددة في قمم مثل «بريكس» و«بريكس بلس» ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ وقمة العشرين، بوضوح عن استراتيجيته تجاه الولايات المتحدة مع عودة إلى السلطة، وما قد يحمله ذلك من تحديات للعلاقات الثنائية، مستعرضاً رؤيته لعالم مثالي بعيداً عن الهيمنة الغربية التي ترى بكين أنها تعيق التقدم العالمي.

وحدد الرئيس الصيني خطوطاً حمراء للعلاقة بين البلدين لا يجوز تجاوزها، وتشمل قضية تايوان وملف حقوق الإنسان ومسار التنمية الصينية. كما أكد أن سياسة «احتواء الصين» محكوم عليها بالفشل.

وإلى أن يتولى ترامب منصبه، توجد صعوبات في توقع شكل العلاقة التي ستجمع البلدين العظميين، وسط قلق دولي من أن فشل الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها سيؤجج الصراع ويدفعه نحو مزيد من التوترات.

أخبار ذات صلة

0 تعليق