نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النفور من الخسارة, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 12:34 صباحاً
سأترك الإجابة عن لماذا بعد أن أستعرض شيئا من مظاهر هذا الانحياز. في منهجيات إدارة المخاطر، مثلا كما عبرت وثيقة الايزو 31000 بأن إدارة المخاطر هي عملية منهجية لتحديد وتقييم ومعالجة المخاطر، سواء كانت تهديدات أو فرص. وتجد أغلب المنظمات في نماذج الأعمال لديها يغلب عليها التعامل مع التهديدات أكثر من جانب استثمار الفرص وكأنها أداة للحماية فقط، بينما المفهوم الصحيح بأن تكون بمثابة أداة لصناعة القرار، عبر تحليل التأثيرات الممكنة لعدم اليقين، سواء كانت تهديدات يجب الحد منها، أو فرصا يجب استثمارها. إدارة الجودة في وثيقتها الايزو 9001 تشمل أهم أركانها التحسين المستمر والابتكار وتجربة العميل والتميز، بينما تجد أيضا أغلب المؤسسات يكون تركيزها منصبا على التدقيق والرقابة وعدم الانحراف في المؤشرات، بينما الجناح الآخر المتعلق بالابتكار والنمو والتحسين يأخذ اهتماما أقل بكثير من مراقبة الأخطاء.
في كثير من ممارسات التخطيط الاستراتيجي – ليس بشكل دائم – يلاحظ أن التركيز يميل نحو تحليل نقاط الضعف والتهديدات (Weaknesses-Threats) أكثر من التركيز على نقاط القوة والفرص (Strengths-Opportunities). وغالبا ما ينعكس هذا التوجه على صياغة الأهداف والسياسات، حيث يمنح جانب المحافظة على المكتسبات الأولوية على حساب التفكير في التوسع والنمو واستثمار الإمكانات الكامنة. وهذا واضح بالعين المجردة عندما تدخل في شيء من هذه التطبيقات تجد قوائم نقاط الضعف والتهديدات أطول من قوائم نقاط القوة والفرص التي تكون أقل حظا واهتماما وحجما حتى في النقاشات في مداها الزمني.
على الجانب النفسي، هذا الأمر قد تم تفسيره في نظرية النفور من الخسارة (Loss Aversion) التي تندرج تحت نظرية التوقع (Prospect Theory) لعالم النفس السلوكي دانيال كانيمان الذي حصل على جائزة نوبل في إسهاماته في هذا الجانب، كما يعبر أن الخسائر تلقي بظلالها بشكل أكبر من الأرباح (Losses loom larger than gains)، والتي مفادها بأن الإنسان يميل إلى تجنب الخسارة أكثر من سعيه لتحقيق الربح، وهو ما يعرف بـ»النفور من الخسارة». هذا التحيز النفسي يفسر مسألة التركيز أكثر على التهديدات والمشاكل، والحذر المفرط تجاه المبادرات التي تنطوي على احتمالات ربح مع قدر من المخاطرة.
من جوانب أخرى تجد ثقافة المؤسسة لها مدخل كبير في ذلك، فالجهود التي تتراكم في سد الفجوات لها أولوية على المبادرات المدروسة، وفي الأغلب يعود لثقافة المؤسسة التي تهيمن عليها ثقافة الحفاظ على المكتسبات والاستقرار أكثر من الانتقال للتحولات التنظيمية وترك مناطق الراحة.
من الأسباب أيضا المحاسبة الدقيقة غير الموضوعية تجعل النهج المسيطر على ثقافة المؤسسة أن تنشغل بالأعمال الآمنة حسب وجهة النظر، فاتخاذ قرار خاطئ قد يعرضك للمحاسبة، أما تجاهل فرصة فلا يحاسب عليه أحد.
أيضا تجد مثلا انعدام أو قلة وجود مؤشرات للفرص فضلا عن ثقلها البسيط في معادلات الأداء إن وجدت. من السهل قياس عدد الحوادث، حجم الخسائر، نسبة التهديدات... إلخ، ومن الصعب جدا أن تقيس الفرصة الضائعة، والنتيجة حتما ما لا يقاس، لا يدار، وما لا يدار لا يتخذ فيه قرار.
في هذا العالم المليء بالمتغيرات السريعة، أعتقد أن الكيانات التي تريد أن تكون رشيقة لا بد لها أن تثب عن طوق النفور من الخسارة وتتبنى عقلية تتقبل المخاطرة المدروسة وتحتفل بالفرص. فالتقدم لا يتحقق بالثبات في المكان، بل بتجاوز الحدود المألوفة والبحث المستمر عن إمكانيات جديدة.
0 تعليق