مسلسل معاوية: جدليات 15 قرنا في 30 حلقة قد لا تكفي؟!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مسلسل معاوية: جدليات 15 قرنا في 30 حلقة قد لا تكفي؟!, اليوم الأحد 23 مارس 2025 09:33 مساءً

ما إن أعلن عن بدء مشروع إنتاج مسلسل قبل أكثر من 15 عاما وانبرت الأقلام في الصحف بأنواعها المختلفة والحناجر في المنابر على اختلاف مذاهبها وأنواعها وأشكالها في المساجد أو في المواقع الالكترونية أو حتى في مراكز الإفتاء في العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية بين المؤيد والمعارض وبين المحلل والمحرم وبين المتسامح والمُجرّم.

وانطلقت الثنائيات البغيضة من كلا الطرفين المتناقضين بين الأبيض الناصع والأسود القاتم في حدة واشتداد لرأي كل طرف سواء بوعي أو دون وعي عن قصد أو دون قصد.. متناسين حكمة الخالق عز وجل في سنن اختلاف مخلوقاته، والاختلاف أمر إيجابي بل سنة أساسية من سنن الحياة كما أوجدها الله، أما الخلاف أمر سلبي كما أوجدها أصحاب العقول المغلقة والقلوب الضيقة وليس أصحاب الآفاق المتسعة والبصيرة النيرة.

يخطئ من يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المؤكدة وحده، ويجرم من يفرض قناعاته ومعتقداته على الآخرين، وخاصة أن الله وحده قد منح البشر الحق في الاختيار.. فلا إكراه في الدين، وهو أعلى مراتب العقائد والأديان فما بالنا في الاتجاهات والآراء، وكل إنسان على نفسه بصيرة، ولكم دينكم ولي ديني، ولو ألقى الإنسان معاذيره، ودون فرض على أحد بالقوة ودون اقتناع.. كم ورد هذا في القرآن الكريم.. جدليات بدأت من قبل ظهور الإسلام في خلافات على سدانة الكعبة الشريفة وخدمة حجيج بيت الله بين آل قريش أنفسهم، وكان الانقسام أو الشرخ بين أبناء العمومة في القبيلة الواحدة أو لعلها بتعبير العصر الحالي بين الحمائم أهل الطيب وبين الصقور أهل القيادة كما ورد.

وربما ارتبط الأمر في أذهان البعض بأنه الصراع الأزلي بين الخير والشر كما بدأ مع ابني سيدنا آدم عليه السلام إمعانا في تأصيل الصراع الإنساني البشري على الأرض منذ بداية الخليقة في توهم لارتباط شرطي مقيد بين أي طرفين نقيضين، لكل فريق منهم أن يرجع إلى ما قد يحلو له من أسانيد أو أقوال أو ربما رؤى مختلفة المشارب والمصادر.

وبالعودة للمسلسل فإن إثارة تلك الجدليات قد تكفيه لتحريك المياه الراكدة، وربما العفنة في بعض هذه الجدليات عبر التاريخ.. وإذا كان المبدأ ينص على أن أي دراسة علمية جادة أن تفتح أبواب الأسئلة أكثر مما تقدم نوافذ الأجوبة، فما بالنا بالعمل الإبداعي الفني الذي لا يمثل إلا وجهة نظر صناعية لا أكثر ولا أقل.. وننسى أو نتناسى أن الكمال لله وحده أما عبيده فما لهم إلا السعي وراء الإتقان للنيل منه على قدر سعتهم وقدراتهم، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم كما قال الشاعر. يروى أن المبدعين المسلمين في قمة أوج الحضارة الإسلامية تعمد البعض منهم بعد اكتمال عمله أن يصنع خطأ ما حتى لا يصيبه الغرور في الإتقان اتقاء لتقوى الله وحده.. لذا لا بد أن نؤكد أنه عمل إنساني إبداعي لا يمثل إلا وجهة نظر صناعية ولا يحمل أكثر من ذلك، ولو دون فتح أبواب للشيطان أن هذا العمل مجرد فتح باب البحث والنقاش والدراسة في تلك الحقبة التاريخية الهامة اعتمادا على مصادر صحيحة ودقيقة وموثوقة ومعتمدة لدى عدد من المراكز العلمية والبحثية وليست المفتراة أو الموتورة أو المتحيزة أو حتى المهترئة لتلمسنا الجوانب الإيجابية في ذلك المسلسل أكثر من السلبية.. علما بان الاختيار الصحيح للمصادر نصف الطريق للوصول إلى الحقيقة، كما أن النصف الآخر يعتمد على الجهد المبذول في التنقيب والتمحيص فيما يتحصل عليه من معلومات وصولا إلى الإجابات الصحيحة على الأقل وعلى الأسئلة الأصح وجهة.

تجدر الإشارة إلى أن التعلم من دروس التاريخ في الأعمال الفنية سواء الأفلام أو المسلسلات ما هو إلا محفزات ومؤثرات أو بلغة العصر مسرعات للمزيد من البحث والدراسة فيما قد يرد من معلومات، وإن لم يكن لمسلسل معاوية سوى هذا التأثير وحده لكفاه تحريكا للجمود الصلد أو المياه الراكدة بما قد يكون فيها من رواسب أو أعفان من ضلال وغي أكيد، وليس فقط مجرد الحصول على المزيد من الأجوبة أو على الأقل تقديم المزيد من الأسئلة التي تحتاج منها للمزيد من الدراسة والبحث والتمحيص.

مهما اختلف الفريقان المتضادان المتناقضان فإن هناك مساحات يلتقي فيها الجميع سواء من تقوى الله عز وجل وما ورد في قرآنه الكريم أو ما ورد في سنة نبيه الشريفة المطهرة من كل تحيز.. ولقد لمست أسئلة الكثيرين خصوصا من الشباب والأجيال القادمة تستفسر وتسأل طلبا للعلم والمعرفة وللوعي حول بعض ما شاهدوه دراميا، وهذا وحده قد يكفي مؤقتا، خاصة إذا تم توجيههم للاطلاع على المزيد من المصادر الموثوقة، وهذا دور الإرشاد والتقويم والإصلاح بإذن الله.

في الختام يبقي السؤال قائما: هل يصلح الفن ما قد أفسده الدهر من جدال أو ما صنعته السياسة أو ربما الأهواء؟! وبكل تأكيد قد تكون الإجابة بلا، ولكن الحقيقة المؤكدة والأكيدة تؤكد أن الفن قد يساهم إلى حد ما بل ربما إلى حد كبير في نشر ثقافة الوعي والمعرفة والبحث عن الحقيقة المجردة البعيدة عن أي أهواء اعتمادا على مصادرها.. ولو أن مسلسل معاوية قد يحقق ذلك وحده لكفاه، ولكن بالطبع ليس وحده فقط يكفي، بل لا بد من وسائل أخرى أيضا.. ولعلنا نخلص من هذا كله إلى أنه نعم قد لا يصلح الفن ما أفسده الجدل السياسي عبر السنين، ولكن قد يساهم إلى حد ما في تصبيرة العقول والأفئدة والوجدان، وهذا هو الدور الحقيقي لإبداع الفنان في كل زمان ومكان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق