فرنسا تنفض غبار الماضي للضغط على الجزائر

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فرنسا تنفض غبار الماضي للضغط على الجزائر, اليوم الثلاثاء 4 مارس 2025 06:34 مساءً

من منطلق مصالحها المترامية في أفريقيا ودول ما وراء البحار، لا تجد فرنسا أي حرج في التضحية بالمبادئ والقيم والشعارات التقدمية التي تتغنى بها دوما، فها هي اليوم تترك الحوار الدبلوماسي جانبا، وتهمل أي إجراءات طبيعية لإعادة بناء الثقة بين الدول، وتلجأ بدلا من ذلك إلى فتح دروج مكتبها، وتنفض الغبار عن اتفاقية 1968م، وتلوّح بها كما لو كانت بطاقة "جوكر" في لعبة سياسية قديمة، لتهدد الجزائر بإلغائها وكأن هذه الاتفاقية، التي تجاوز عمرها نصف قرن، تمثل مفتاح استعادة الهيبة الفرنسية في المنطقة أو الحل السحري لكل مشاكل باريس الداخلية.

اللعب بالأوراق أمر طبيعي في عالم السياسية، لكن الطريقة الفرنسية تختلف عن غيرها شكلا ومضمونا، فهي لا تجد حرجا في استخدام ورقة المراجعة كلما احتاجت إلى تمرير رسائلها السياسية، واليوم وبعد عقود من اعتبار الجزائر شريكا تجاريا وأمنيا، تذكّرت باريس فجأة أن اتفاقية الهجرة قديمة وتحتاج إلى تحديث، لكن توقيت اللعب بهذه الورقة يعكس مضامين لا يمكن تجاهلها، فبين ضغوط داخلية من اليمين المتطرف، ومحاولات لترتيب أوراقها مع المغرب، وجدت فرنسا أن أفضل وسيلة للضغط على الجزائر هي اللعب على وتر الهجرة، متجاهلة أن العلاقات بين الدول لا تدار جميعها بمنطق المقايضة والابتزاز.

إن توقيت تصريح رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو حول مراجعة جميع الاتفاقيات مع الجزائر، وعلى رأسها اتفاقية 1968م، يكشف عن محاولة فرنسية لإعادة ضبط العلاقة الثنائية وفقًا لمصالحها الحالية، إذ تأتي هذه الخطوة وسط تصاعد التوترات الدبلوماسية بين البلدين، ما يؤكد أن باريس تستخدم هذا الملف كورقة ضغط على الجزائر، سواء لأسباب سياسية داخلية مرتبطة بملف الهجرة، أو لأسباب استراتيجية تتعلق بتوازناتها الإقليمية، خصوصا علاقتها بالمغرب.

وعند الحديث عن اتفاقية 1968م وأهمية استخدامها كورقة، لا بد من معرفة أنها شكلت إطارا قانونيا مميزا لتنظيم إقامة الجزائريين في فرنسا، ومنحتهم امتيازات تتجاوز ما هو متاح لمواطني الدول الأخرى، ومسألة إلغائها أو تعديلها بشكل جذري قد تؤدي إلى تداعيات قانونية وسياسية، حيث ستواجه باريس انتقادات داخلية وخارجية، خاصة من الجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا، ومن المنظمات الحقوقية التي قد تعتبر هذه الخطوة تمييزية.

قانونيا، تمتلك فرنسا حق مراجعة الاتفاقية وفقا لآليات التفاوض المعتمدة بين الدول، لكن الإلغاء أحادي الجانب قد يقابل بردود فعل حادة من الجزائر، التي يمكنها بدورها مراجعة اتفاقيات أخرى تتعلق بالمجالات التجارية والأمنية، مما يفتح الباب أمام أزمة دبلوماسية أوسع.

ويمكن تلخيص الأسباب التي جعلت فرنسا تقوم بهذا التصعيد، في أربع نقاط يتمثل أولها في تباين المواقف بين باريس والجزائر حول العلاقات الفرنسية المغربية، إذ إن الجزائر قد أبدت تحفظات على التقارب الفرنسي المغربي الأخير، وثانيها تعزيز الجزائر علاقاتها مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا، وثالثها قد يكون ردا على مواقف الجزائر الرافضة لبعض السياسات الفرنسية في أفريقيا، خاصة بعد الانسحاب الفرنسي من دول الساحل الأفريقي، وذلك بعد أن لعبت الجزائر دورا في دعم استراتيجيات إقليمية لا تتماشى بالضرورة مع المصالح الفرنسية.

أما رابع الأسباب وأكثرها حدة فهو التوترات التي نشأت بين البلدين على خلفية استدعاء الجزائر قبل شهرين السفير الفرنسي لديها، حيث وجهت له آن ذاك تحذيرات شديدة اللهجة بشأن ما وصفتها بمخططات عدائية تقف وراءها المخابرات الفرنسية، تلى ذلك عدة إجراءات بين البلدين كان آخرها فرض فرنسا لقيود دخول على بعض الشخصيات الجزائرية، في رسالة مفادها أنها قادرة على استخدام نفوذها في أوروبا لتقييد حركة بعض الشخصيات الجزائرية، وهو ما يشكل ضغطا سياسيا.

أمام ذلك، يبرز سؤال مهم لماذا استخدمت فرنسا ملف الهجرة للابتزاز السياسي الذي تمارسه على الجزائر، في ظل مجالات أخرى تشهد تعاونا كبيرا بين البلدين مثل الاقتصاد، والطاقة، والتعاون الأمني، حيث تعد فرنسا شريكا تجاريا مهما للجزائر، خاصة في قطاع المحروقات، كما أن العديد من الشركات الفرنسية تعمل في السوق الجزائرية.

بشكل عام يتضح أن باريس تسعى إلى تحييد الملفات التي تستفيد منها، والتركيز على الملفات التي تستطيع استخدامها كورقة ضغط، مثل الهجرة، كما أنها ومن خلال تصريحاتها، تحاول تصوير ملف الهجرة على أنه مرتبط بالأمن الداخلي، وهو خطاب يتماشى مع توجهات اليمين المتطرف في البلاد، فالتصريحات الأخيرة قد تكون محاولة لتوجيه الرأي العام الفرنسي نحو اعتبار الجزائر مسؤولة بشكل أو بآخر عن بعض التحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا، رغم أن هذا الطرح يتسم بالمبالغة ويفتقد إلى أدلة واضحة.

وفي ظل التصعيد المستمر، يبدو أن العلاقات الفرنسية الجزائرية مقبلة على مرحلة أكثر توترا، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات دبلوماسية جديدة، لكن لن يصل حال هذه الأزمة إلى قطيعة كاملة، نظرا للتشابك الكبير في المصالح، إلا أن استمرار استخدام فرنسا لورقة الهجرة كورقة ضغط قد يؤدي إلى تعقيد الأمور أكثر.

وعلى المدى الطويل، قد تتجه الجزائر للرد بخطوات مماثلة، مثل تقليص التعاون الأمني أو فرض قيود على الشركات الفرنسية العاملة لديها، إلى جانب التوسع في تنويع شركائها الدوليين، مما قد يقلل من الاعتماد على فرنسا، خاصة في المجال الاقتصادي، أما فرنسا فستجد نفسها أمام معضلة تحقيق التوازن بين مصالحها في الجزائر وضغوطاتها السياسية الداخلية، خاصة في ظل تنامي نفوذ القوى اليمينية المعادية للهجرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق