ظاهرة التسول

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ظاهرة التسول, اليوم الأحد 16 فبراير 2025 05:19 مساءً

انتشرت ظاهرة التسول في المجتمعات العربية بشكل كبير في العقود الأخيرة، فعلى الرغم من أن ظاهرها ادعاء الحاجة والفقر، ولأن سهولة مدارج التسول في تحصيل المال حملت الكثير من الأشخاص للقناعة أن هذا المسلك في تحصيل المال يعتبر ميسرا وسهلا لا يحتاج إلى إعداد أو جهد بدني، وبالتالي أغرى كثيرا من المتسولين لانتهاجه، وأدى ذلك إلى شيوع هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة، وعلى الرغم من التحذيرات من التسول والمتسولين والنهي المتكرر عن دفع الأموال لهم، إلا أن التعاطف من الكثير والتساهل مع هذه الفئات بدفع الأموال لهم شجع الكثير للاعتماد على التسول كمهنة يومية تدر دخلا معقولا سببه تعاطف الناس مع الاستجداء الكاذب للكثير من المتسولين، وشجع غيرهم على انتهاج منهجهم وعدم اتباع السبل الصحيحة للعمل وتحصيل الرزق والمال، حتى أضحى ذلك مظهرا لا تخطئه العين في كثير من الأماكن في أغلب المدن، وتجدهم يمتنعون عن الأعمال الجادة حتى لو توفرت لهم فرصها الحقيقية، إلا أنهم يعزفون عنها مفضلين عيشة الكفاف وإراقة ماء الوجه على مصادر نزيهة تكفيهم توفير احتياجاتهم ومتطلباتهم.

ظاهرة التسول عالمية تجدها في كل دولة لكنها تأخذ مظاهر متعددة وفق ثقافة كل مجتمع، كأن تشاهد أحدهم يعزف جيتاره أو يلاعب بعض الزواحف أو يمارس البهلوانيات أو ألعاب الخفة وخلافها، مع وجود علبة بجواره يضع فيها من يشاهده ما يرغبه من المال فيما لو حاز ما يقدمه على رضاه واستحسانه، وهناك وافدون لبعض الدول يصبغون تسولهم بصبغتهم الثقافية وبأساليبهم البدائية عند ممارستهم لهذه الأفعال في دولة أخرى.

وباستقراء الواقع وجدنا أنه ليس بالضرورة أن يكون المتسول معدما، فالبعض قد امتهن التسول رغم وجود المال لديه، بل أنه قد أفصح عن وقائع صادمة عن بعض المتسولين الذين تم تتبعهم أو التحقيق معهم من جهات الاختصاص، أنهم يملكون أموالا طائلة وعقارات ومنقولات تقدر بالملايين، وأنه يستطيع من التسول أن يجمع أكثر بكثير من حاجته وقوت يومه، بل إنه وصل الأمر ببعضهم إلى إمكانية توظيف من يعمل لديه فيستأجر الأطفال والرضع والإكسسوار اللازم للتسول، وحتى إحداث عاهات مصطنعة أو دائمة لزوم العمل لمن يوظفه لديه.

وللشريعة الإسلامية إضاءة على ظاهرة التسول، فلم تغفل عن معالجة قضايا المجتمع المسلم ومنها ظاهرة التسول وسؤال الناس، فقد وجه النبي عليه الصلاة والسلام منهجا واضحا عن صورة من يستجدي ويسأل الناس كثيرا في الدنيا حين قال (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله، وليس في وجهه مُزعَة لحم) فهي مهنة مذهبة للحياء وللكرامة وللقيم النبيلة.

وظاهرة التسول واحدة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تعاني منها العديد من الدول، كونها لا تقتصر فقط على التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، بل تمتد لتشمل جوانب أمنية خطيرة تؤثر على الأمن الوطني، لأن وجودها وتفاقمها في أي مجتمع يستدعي تحليلا معمقا لفهم أسبابها وتأثيراتها التي لا تخفى، فقد تستهوي هذه المهنة بعض العاطلين لطلب المعيشة على مصدر أساسه امتهان الكرامة وإراقة ماء الوجه، حتى كادت تتفق أغلب دول العالم على منع التسول وتكافحه بطرق مختلفة قد تفلح وقد تفشل، فالتسول الغطاء الذي يدفع إلى صور متعددة من الجريمة المتنوعة في المجتمعات، ويؤدي لتمزيق خططها وتقويض جهودها وتشويه صور الجماليات التنموية فيها.

ولكونه رصد مؤخرا بعض الممارسات التسولية التي تسيء لجمال الرواء سواء في التسول بأطفال يتم وضعهم في بعض المواقع كإشارات المرور أو أمام المطاعم والمحال التجارية وصالات وأماكن المناسبات أو بمجموعة من متوسطي الأعمار يجوبون المساجد أو يطرقون أبواب المنازل ومعهم امرأة أو كبير سن يتسولون بهم بزعم وجود ديات عليهم، أو أشخاص يستقلون سيارات فارهة وبمظهر مرتب يذكرون أنهم تعرضوا لفقدان بطاقاتهم البنكية، وكذلك التسول عبر منصات التواصل الاجتماعي وبأسماء غير حقيقية كأن يورد أحدهم قصة مشوقة في بداية التغريدة ثم يورد حالة بأنها لمريض أو مديون أو رب أسرة بحاجة للمساعدة وهدفة التسول وجمع المال لا أكثر.

ولأجل كل ذلك أو بعضه فقد صدر في المملكة العربية السعودية عدد من الأنظمة لمحاصرة هذه الظاهرة وآثارها ومحاربة صورها المباشرة وغير المباشرة والفردية والعائلية والمنظمة والموسمية والعادية منها أو عبر الوسائل الالكترونية، ومن تلك التنظيمات نظام مكافحة التسول الصادر بالمرسوم ملكي رقم (م/20) وتاريخ 9 / 2/ 1443هـ، والذي عرّف المتسول بأنه من يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل أو بمقابل غير مقصود بذاته نقدا أو عينا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحال الخاصة أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت، وقد قرر النظام حظر التسول بصوره وأشكاله كافة مهما كانت مسوغاته، ثم صدر نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بالمرسوم الملكي رقم م/40 بتاريخ 21/ 7/ 1430هـ، الذي أكد أن التسول والممارسات الشبيهة بالرق من صور الاتجار بالأشخاص، وأنه لا يعتد برضا المجني عليه في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام، كما يعضد كل ذلك نظامي حماية الطفل ونظام الحماية من الإيذاء.

وعليه فإن الجهات المعنية التي كلفها النظام بمعالجة هذه الظاهرة مناط بها الكثير من الواجبات، وهو ما نسعى إليه في تخصيص جهة ميدانية يناط بها ذلك في إجراءات الضبط الميداني وقوننته بشكل مؤسسي يحارب هذه الظاهرة ممن يتم تأهيلهم وتدريبهم لهذه المهام ومحاربة المتاجرين بها وتنظيماتها، كونها من الجرائم العابرة التي تحتاج لجهود متنوعة وخبرات وكفاءات كبيرة.

hass_qr@

أخبار ذات صلة

0 تعليق