في عام الحكم والحكمة الثالث والخمسين لصاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، نتأمل الزمان والمكان والتاريخ في قصة إمارة التنمية والبناء والعمار والفنون والآداب والتعليم والصحة والأمن الغذائي والبيئة.
إمارة المعرفة والكتاب والثقافة، وفي موازاتها والتكامل معها: تطوير المرافق، وتحديث الخدمات، وإعمار الصحراء، كما إعمار الجبال وَبَثّ الحياة الحديثة الراقية في القرى والأرياف، ومدّ شبكات الطرق والجسور والأنفاق التي تتحوّل في الرؤية البصرية الجمالية إلى أعمال فنية.
في نصف قرن وثلاثة أعوام يقف المرء على معطيات إمارة الخدمات المجتمعية اليومية، وحاجات المواطنين والمواطنات، وتوفير السكن المحترم الكريم، والتأمينات الصحية والاجتماعية، ومرة ثانية، في الموازاة والتكامل مع كل ذلك تتبلور دائماً صورة الشارقة العربية والدولية بمشروعها الثقافي المتجدّد دائماً منذ نهاية سبعينات القرن العشرين، وإلى اليوم.
إمارة بهذا التدبير الحاكم والحكيم، وبهذه الخصوصية الفنية والإبداعية والإدارية إنما عمل عليها وحملها في عينيه وقلبه حاكم عادل مثقف، يعرف أهل داره وديرته بالاسم والعائلة والنسب والحسب، كما يعرف المكان وطبيعته وجيولوجيته في الشارقة. يعرف مسارات الغيم، ومواقع الماء وأفلاجها وجريانها، كما يعرف أسماء النبات والكائنات الحية في محميات وامتدادات الشارقة من أنحائها وضواحيها إلى المنطقة الوسطى، إلى المنطقة الشرقية ضمن تسلسل جغرافي وتاريخي يستوعبه كلّه رجل ثقافة، وليس، ثقافة الآداب والفنون والتاريخ فقط، بل، ثقافة البيئة المكانية التي حوّلها سموّه إلى سنابل قمح، وضروع حليب، وأقراص عسل ضمن منشآت إنتاجية عالمية حديثة.
حاكم، أبوي، رحب الصدر، مبتسم دائماً، قلبه في عينيه، وجملته ترحابية بلغة أهل العز والطيبة والتسامح.. بهذه الشخصية القيادية المتوازنة والمثقفة حكم الشارقة. أولاً وثانياً وثالثاً بلاده فبلاده فبلاده، ما من مواطن على ظهره دَيْن أو عبء مادي أو حتى معنوي إلا ووجد في ديوان سموّه حلاً لأزمته، وما من سيدة غُبنت أو ظلمت إلا وأعاد لها كرامتها المادية والمعنوية، وما من متفوّق ومبدع واستثنائي في تخصصه أو في تفكيره إلا وجد عند والده سلطان.. قيم الحنان، والعطاء، والتواضع الجم الذي يليق بأخلاق العظماء.
مشاريع الخدمة المدنية، ومؤسسات التدبير الحياتي اليومي توازيها مشاريع ثقافية ومبادرات عمل أدبي عربي عالمي، وفي عهده الأبوي الأخلاقي أهدى الثقافة العربية معجم تاريخ اللغة العربية في 127 جزءاً، وعرضت أعماله المسرحية على خشبات عالمية، وترجمت إلى لغات حية.
كتب وبحث في التاريخ، اشتغل على العشرات من الأعمال المسرحية ذات العروض الإخراجية الجماعية الكبرى، كتب الشعر الفصيح والشعبي، كرّم ديوان العرب بمبادرة بيوت الشعر العربية في عدد من البلدان الشقيقة، وَمَدّ جسور الثقافة العربية والإماراتية من الشارقة إلى إفريقيا.
عينا سموّه على كل صغيرة وكبيرة، وفي قلبه إمارته وأهلها ومقيموها. الخلق الرفيع الذي هو نموذج خلق سموّه هي المعيار، وهي معيار عربي إسلامي يقوم على مضمون أرفع كتاب في البشرية: القرآن الكريم.
53 عاماً من العمل والمتابعة والحضور، نعم الحضور القيادي، والحضور الثقافي، والحضور الإماراتي المحلي، والحضور الدولي، والحضور الأكاديمي، الحضور سواء أكان بشخص سموّه، أم عبر تراثه الأدبي والإبداعي، من حيث مصفوفة كتبه التي جاوزت الثمانين عنواناً، أو الحضور عبر مبادرات سموّه التاريخية والفارقة دائماً، مثل بيت الحكمة في الشارقة، ودارة سلطان للبحوث، ومدينة الشارقة للنشر، ومثل حضور مبادرات سموّه في مؤسسات عربية ومتاحف ومعاهد ثقافية في أوروبا، وبناء علاقات بحث جامعية دائماً مع أرقى وأعرق جامعات العالم، وسموّه بنفسه يذهب إلى كل هذه المؤسسات العلمية، ويقتطع الكثير من وقته وجهده البدني والتفكيري، من أجل حقيقة أو وثيقة أو خريطة أو صورة أو مخطوطة من شأنها أن تفيد مختبره البحثي والعلمي.
صاحب السموّ حاكم الشارقة في العام الثالث والخمسين، أعطى إمارته وأهله ووطنه العربي أكثر بكثير من خمسين عاماً بحساب الزمن التقويمي أو الساعاتي، ذلك أن الفكر أقدم من الزمن، والفكر الحيّ والحضاري الذي يتبناه سموّه يتجاوز نصف القرن إلى قرون.
بنى صاحب السموّ حاكم الشارقة، هوية إمارة، ووضع علامات راسخة لهذه الهوية، إنها العلامات التاريخية التي لا تزول مع الزمن كما يفعل الكبار العظماء في التاريخ.
يتمثل صاحب السموّ دائماً تجربة كبار العلماء وعظماء الحكم ورجال الحكمة، وبناة العقول والمعرفة والتاريخ وتراثهم.. ولكل امرئ من اسمه نصيب، ولحاكم الشارقة نصيبان، نصيب الأب الحاكم، ونصيب الأب الحكيم، بحكمة العرش مسك سلطان الخير وفاض به على أهله، وبحكمة القلم مسك سلطان معنى الورقة والقلم والكتاب، وبهما معاً كَرّم الفكر والآداب والعلم والفنون.
0 تعليق