المحسوبية.. وتحطيم الكفاءات

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المحسوبية.. وتحطيم الكفاءات, اليوم السبت 18 يناير 2025 09:36 مساءً

بين قتل الإبداع وتحطيم الكفاءات تلعب المحسوبية دورا كبيرا في تلويث بيئات العمل، والوصول بها إلى درجات سحيقة من تدني الأخلاقيات وانعدام القيم، مما يجعل بيئات العمل التي تنتشر فيها المحسوبية تعج بممارسات تصل بعضها إلى أقصى درجات الفساد، ويعمد أصحابها إلى تغيير الحقائق، وتزييف الوقائع، وبيع الذمم لبخس الناس حقوقها ظلما وبهتانا.

كيف لا، والمحسوبية تُعد وباء يبدأ صغيرا فيكبر تدريجيا في الأنفس الضعيفة، فما هي سوى ممارسات بسيطة في تجاوز الأنظمة، تكبر مع من يدمن عليها شيئا فشيئا حتى تصبح سلوكا أصيلا في نفس كل متنفذ، يرى أنه أكبر من القانون دون أن يعي ذلك أحيانا، فحالة الغطرسة التي يعيشها أي متنفذ تجعله أعمى حتى عما يأمر به إذا كان مسؤولا، فتراه يدعو إلى الالتزام بالأنظمة والتمسك بأخلاقيات وقيم العمل، وهو في الوقت ذاته أبعد ما يكون عن تطبيق تلك الفضائل التي يستبيح انتهاكها، لما له من سطوة ونفوذ ومصالح مشتركة مع من يشاركوه ذلك السلوك المشين.

وعادة ما يرى البعض أن مفردة المحسوبية ألطف وأخف وقعا من مصطلح الفساد، على اعتبار أنها ظاهرة اجتماعية سلبية لا تعدو كونها "واسطة" لتمرير معاملة ما أو توظيف شخص ما، تبعا لصلة قرابة أو صداقة أو مصالح مشتركة أو غير ذلك، لكن ماذا عن النتائج السلبية للمحسوبية، إنها كثيرة ومتعددة، وتتفاوت درجات تأثيرها حسب الفعل نفسه، وأول تلك النتائج تقع على من يمارس هذا السلوك، حيث يصل به الأمر إلى الوقوع في قضايا الفساد وظلم الناس، أما فيما يتعلق بنتائجها السلبية الأخرى فهي كفيلة بالتضييق على الكفاءات وتسربهم، وتشويه بيئات العمل، وخفض الإنتاجية، وهدر المال، والحيلولة دون تطبيق العدالة وغيرها.

إن الاستهانة بممارسات بسيطة تحت ذريعة المحسوبية، تُعد شرارة تصل بممارسي هذا السلوك إلى الفساد والظلم، فتوظيف شخص ما بسبب قرابة أو صداقة دون أن يكون ذا كفاءة يُعد فسادا، وتوجيه المدير لأحد موظفيه بالاستغناء عن موظف تحت إدارته، من خلال التجني عليه بأي ثغرة نظامية ليحل موظف آخر بديلا له يُعد فسادا، كما أن المحسوبية بين المديرين في تنفيذ طلبات تتعلق بإدارة أحدهم لخدمة إدارة أخرى يُعد فسادا، مثل الإطاحة بموظف ما والتحقيق معه في الإدارة المختصة، فضلا عن الفصل التعسفي، وتمرير المعاملات غير النظامية لتحقيق مصالح مالية وأخرى إدارية.

كما وصل الحال ببعض أرباب المحسوبية إلى التصعيد مع جهات خارج مؤسساتهم، في مشهد يعكس استغلال علاقة أحد منهم بمسؤول آخر أو صاحب نفوذ، لطلب العون من مبدأ تبادل المصالح و"تمشية الأمور"، للتدخل في إجراءات تضرب بأخلاقيات وأنظمة العمل عرض الحائط، مثل طلب تسريع إجراءات تفيده وإدارته في المقام الأول، أو إخراجه أو إدارته من قضايا شائكة أو تسيير تلك القضايا لصالحه، أو النيل من الكفاءات، أو تحقيق منافع مالية لكيانات أخرى، وهنا الحديث يطول.

لكن لماذا وصل الحال ببعض المديرين والمسؤولين إلى هذه الدرجة اللاأخلاقية! وكيف للجهات الرقابية اليوم أن تشخص حال المحسوبيات المستشري في بيئات العمل، من حيث وقائعها وأسباب نشوئها، إذا ما أخذنا في الاعتبار العلاقات الشخصية من جانب، وتبادل المصالح بين المديرين والمسؤولين سواء داخل مؤسساتهم أو مع كيانات أخرى من جانب آخر.

إن الحلول التي نسمع بها من وقت لآخر للتصدي لآفة المحسوبية مثل تشديد الرقابة والمساءلة، وتعزيز الشفافية والنزاهة، والتوعية بالوازع الديني، وغيرها لا تكفي، فهناك مسؤوليات وإجراءات عدة يبدأ أولها من صناع القرار في جميع الجهات سواء حكومية أو خاصة أو غير ربحية، بأن لا يضعوا كامل ثقتهم فيمن تحت قيادتهم من مديرين أو مسؤولين، حتى لو أبدوا حسن النية، فينبغي على الصف الأول من المسؤولين اليوم فتح أبوابهم أمام جميع الموظفين للنظر في شكاويهم وتخصيص لجان أو فرق خاصة لهذا الأمر، ويكون من مهامها أيضا النظر في مسألة تسرب الكفاءات، واستعراض أبرز قرارات مديري الإدارات أو رؤساء الأقسام.

كما ينبغي دعم هذا التوجه بإجراءات تضرب بيد من حديد، كنشر القرارات الإدارية والسياسات العامة بشكل واضح للجميع، واعتماد آليات تتيح لجميع الموظفين الاطلاع على كيفية اتخاذ القرارات، ووضع نظام محاسبة المسؤولين عن أي قرارات تنطوي على محسوبية، وإلزام أقسام التحقيق أو الإدارات المختصة بالموظفين بالإفصاح عن نتائج محاضر التحقيق التي يثبت فيها تورط المسؤولين بممارسات المحسوبية والتشهير بهم، وكذلك وضع آليات للتبليغ عن المحسوبية والفساد مع ضمان حماية المبلغين.

إن القضاء على المحسوبية أو الحد منها بحاجة إلى إرادة رادعة ووعي بجميع الأنظمة والقوانين، من خلال البدء في تطبيق إجراءات صارمة على من بيدهم الصلاحيات أولا، وأعني هنا بعض المديرين وكبار المسؤولين، فهم مع بعضهم بعضا ربما يمارسون المحسوبيات ويصلون للفساد بوعي أو دون وعي منهم، وهم أكثر الموظفين الذين تلتقي مصالحهم سواء إدارية أو مالية أو نفوذ، لذلك لا بد من مراعاة هذه الفئة تحديدا بإعادة تنظيم الصلاحيات وتطبيق معايير للرقابة والمحاسبة، بما يمكن أعلى سلطة في أي مؤسسة أو كيان من الوصول للمخالفات والمخالفين بأقصر الطرق، ومن ثم تطبيق العقوبات الرادعة التي تحفظ للجميع حقوقهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق