الوحدة الإنسانية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الوحدة الإنسانية, اليوم الأحد 12 يناير 2025 05:31 مساءً

إن التفكير بالإنسان لا يرتبط بإقليم معين ولا بأرض خاصة ولا بشعب مخصوص ولا بعقيدة محددة ولا بعصر محصور، ولكنه يتجاوز حدود الإقليم والأرض والجنس واللون والعقيدة والمذهب والزمان والمكان، فالصفة الإنسانية تلازم الإنسان أينما وجد في الماضي والحاضر والمستقبل، ودعا الإسلام إلى الوحدة الإنسانية، فقال سبحانه {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.

وأعطت صحيفة المدينة أعظم خصائص الانتماء للإنسان عندما أسقطت القبلية وتجاوزتها إلى الإنسانية الكاملة، فنصت على أن جميع المواطنين المقيمين في المدينة "يثرب" أمة واحدة، وكان المنتمون لهذه الأمة من قبائل عديدة كقريش والخزرج والأوس وسليم إلى جانب مجموعة اجتماعية أخرى مكونة من اليهود، ثم مجموعة أخرى غير مسلمة أو يهودية ممن بقي على وثنيته.

وهكذا كان الاتجاه الإسلامي منذ عهد النبوة سباقا لإعلان مبدأ المواطنة على أساس الوحدة الإنسانية بعيدا عن التنوع العرقي والعقائدي والثقافي، وهذا ما دلت عليه بنود صحيفة المدينة الواحد تلو الآخر، ولعل كلمة الأمة الواردة في هذه الصحيفة هي التعبير القانوني والدستوري للمواطنة، وهي خطوة حضارية متقدمة تجاوزت في بعدها القانوني والاجتماعي الزمن والتاريخ، بما فيه زماننا الحاضر الذي ما زالت فيه بعض الأمم ترى الانتماء القبلي والعرقي هو الهوية والمواطنة.

هذا وإن صحيفة المدينة التي أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من هجرته الشريفة سنة 13 من البعثة النبوية عام 622م بين المسلمين وطوائف المدينة، تعد الوثيقة الأساسية الأولى المحققة للمواطنة، وهي التي تسمى في عصرنا "دستور الدولة "، فقد صهرت صحيفة المدينة جميع فئات المجتمع المدني في أمة واحدة، بعيدا عن التفرقة العنصرية والقبلية، وذلك على الرغم من التنوع العقائدي لمواطني المدينة آنذاك، فقد كان فيهم المسلمون واليهود والوثنيون، وعلى الرغم من التنوع العرقي، فقد كان فيهم المهاجرون من مكة وهم من قبائل عدنانية والأنصار وهم من قبائل قحطانية.

فالأمة الإسلامية قائمة على بنية المجتمع متعدد المذاهب والأعراف والطوائف، لكنها تؤمن بعقيدة واحدة وتظلها شريعة واحدة، وتربطها أخوة واحدة، كما قال تعالى {إنما المؤمنون إخوة}، وأباح الدين الإسلامي مؤاكلة أهل الكتاب وأجاز مصاهرتهم والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات، فقال تعالى {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}.

يجب العمل في وقتنا الحاضر على إقامة الحوارات الثقافية والحضارية الهادفة إلى وضع أسس راسخة للتعايش السلمي بين الأمم والشعوب كافة، وتأمين الأمن والاستقرار لجميع الناس مع توحيد الجهود الإنسانية لنبذ التطرف والغلو والإفراط، والتزام مقومات السلم والوسطية والاعتدال، والعمل على إنهاء التوترات المسلحة والتدخل المسلح في شؤون الآخرين ومحاربة الاحتلال وقمع الظلم والعدوان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق