تحقيق: سومية سعد
أكد عدد من مخالفي الإقامة، أن شركات وهمية باعت لهم الحلم وتركتهم بلا مأوى، واستغلوا حاجتهم إلى العمل لتقديم عروض براقة ووعود زائفة، مستخدمين أساليب احترافية في الخداع والتلاعب في تأسيس هذه الشركات، من دون وجود نشاط فعلي لها، ويستخدمون تطبيق الإقامات الممنوحة للشركة، بغرض الاتجار، رغم الإجراءات الكثيرة التي تتخذها الجهات المعنية للتصدّي لها. ويلجأ إليها بعض الباحثين عن عمل لتقنين أوضاعهم، ولكنها في حقيقة الأمر لا توفر لهم فرصة عمل، وتتركهم في الشارع بلا عمل بعد استصدار الإقامة، والتفافاً على القانون تودع هذه الشركات الوهمية رواتب شهرية في حسابات الحاصلين على الإقامات، ثم تسحبها، خلال ساعات، بالبطاقات البنكية المملوكة لهؤلاء المقيمين ويكون ضمن الاتفاق أن تظل البطاقات بحوزة الشركات للتمكن من سحب الراتب بعد إيداعه كل شهر.
أكدت الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، أنها ترصد مثل هذه العصابات والإعلانات الوهمية بإداراتها التخصصية وفرق عملها، وتكبح جماحها بشكل سريع حفاظاً على مصالح الناس، وعدم انجرارهم وراء أوهام هذه الشركات.
وأصدرت الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، قراراً يقضي بمنح مهلة للمخالفين لنظام الإقامة في الإمارات لتسوية أوضاعهم، من دون تحمل أية غرامات مالية، هذا القرار يسمح لهم بتعديل وضعهم القانوني أو المغادرة بسهولة ويسر.
ويأتي هذا الإجراء في إطار سعي الدولة لتوفير فرصة للمخالفين لتتوافق أوضاعهم مع اللوائح القانونية السارية، مع الأخذ في الحسبان أوضاعهم الشخصية وبما يتماشى مع قيم الرحمة والتسامح التي تُعدّ من الركائز الأساسية لدولة الإمارات.
في هذا التحقيق، نضيء على قصص عدد من المخالفين الذين بيّنوا، سبب مخالفتهم:
الشركات الوهمية
يقول علي يونس، (آسيوي): إنه جاء إلى الدولة عن طريق شركة سياحة وانتهت الزيارة ولم يعرف ماذا يفعل، إلى أن دله أحد أصدقائه على أن يعمل إقامة على شركة، فطلبت منه الشركة مبلغاً كبيراً واكتشفت أن صاحب الشركة فتحها لبيع الإقامات فقط، من دون علم الجهات المعنية.
غسان عامر، (عربي)، قال: إنه جاء على شركة وهمية لأن بعض ضعاف النفوس يؤسسون شركات وهمية لا تزاول أي نشاط، ويبيعون تأشيرات الإقامة على كفالة هذه الشركات مقابل مبالغ، مثلما حدث له واكتشف بعد مدة أنها وهمية وأنه مخالف، إلى أن جاءت المهلة ليصحّح وضعه.
وقالت رولا.أ: إنها جاءت إلى دبي للعمل عن طريق إحدى الشركات، ولكن فوجئت أنها وهمية ولا يوجد عمل، لذا اضطرت إلى المكوث في الدولة، أملاً بإيجاد فرصة لكن بلا فائدة، وعندما قررت المغادرة وجدت عليها مبالغ كبيرة، إلى أن جاءت المبادرة وأعفيت من الغرامة، ووجدت عملاً في الشركات العارضة.
وقال سعد حازم، (عربي)، والمخالف منذ 4 سنوات: إنه جاء إلى الدولة زيارة وعرض عليه شخص شراء الإقامة، وفي النهاية تبين أنها وهمية تتاجر بالتأشيرات وتترك الأشخاص مخالفين، وينصح الشباب بعدم التورط مع هذه الشركات بل والإبلاغ عنها.
قضايا
وتمكنت إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، أخيراً من القبض على عصابة أنشأت شركة وهمية للتوظيف استخدمتها في النصب والاحتيال على الباحثين عن عمل، بإيهامهم بتوفير وظائف مقابل مبالغ مالية تفاوتت بين 1000 و3000 درهم، رسوماً للتقديم على الوظيفة الشاغرة وإنهاء إجراءات التوظيف، واستطاعت العصابة الاحتيال على 150 شخصاً حصلت منهم على مبالغ كبيرة.
أما نيابة الجنسية والإقامة، فقبضت على شخص أنشأ 10 شركات وهمية وأصدر بموجبها 200 تأشيرة باعها بصورة مخالفة للمحتاجين إليها، وكسب من ورائها نحو مليوني درهم.
خبراء
قال الخبير القضائي سالم عزت: إن الشركات الوهمية التي تسوّق لنفسها في الأغلب عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل، تطلب من ضحاياها تحويل مبالغ مباشرة أو عبر وسطاء آخرين مغرر بهم، لا بدّ من القضاء عليها داخل الدولة، لأن القضاء عليها يعني القضاء على العمالة المخالفة، مطالباً بتشديد عقوبة المتاجرة بتأشيرات الإقامة لتصل إلى الحبس والإبعاد للبائع والمشتري.
الرقابة
طالب مخالفون بتشديد الرقابة على هذه الشركات ومن يقف وراءها، لما تخلفه من عواقب سلبية تتمثل في زيادة العمالة السائبة التي تتسبب بدورها في تزايد القضايا الأمنية والجرائم.
وقالوا يجب تشديد العقوبات والإجراءات القانونية بحق القائمين على الشركات الوهمية، لكي يكونوا عبرة لغيرهم من الذين قد تسول لهم أنفسهم تأسيس شركات وهمية تضر بمصالح العاملين.
وأشار الخبير السياحي محمد بن خماس، إلى أن ظاهرة انتشار الشركات الوهمية التي تجلب العمالة على كفالتها من دون توفير فرص عمل، وتسريحهم في ما بعد، يشكل خطراً على الأمن حيث إن العامل يتجه إلى ممارسة أعمال غير مشروعة لتأمين رزقه.
وقال: إن الشركات الوهمية تشوّه بيئة العمل، لأنها قد تفرز سوقاً موازية لسوق العمل الحقيقية، لا تلتزم القواعد والقوانين المعمول بها في الدولة، والأخطر أنها تكون في بعض الأحيان سبباً أو ستاراً لممارسة بعض الأعمال غير الشرعية، لأنها في الأغلب تؤدّي إما إلى عمالة مخالفة قد تتورّط في بعض الجرائم، كالسرقة أو الاتجار في المواد المخدّرة إذا فشلت في الحصول على فرصة عمل، وإما أنها تؤدّي إلى دخول بعض الأشخاص إلى الدولة لممارسة سلوكات سلبية تسيء إلى وجهها الحضاري كظاهرة التسوّل، خاصة في شهر رمضان، ولهذا كلّه فإن ثمّة ضرورة لتوحيد الإجراءات المتعلّقة بنظام التأشيرات والعمل على معالجة الثغرات التي ينفذ منها بعضهم في التحايل على هذا النظام.
أشد العقوبات
ودعت المدربة آمنة المير، الجهات ذات الاختصاص إلى توعية العمال بأهمية لجوئهم إلى الجهات المعنية للإبلاغ عن تسريحهم من الشركة الوهمية التي استقطبتهم، لما لهذه التوعية من دور في وقف تفاقم المخاطر الأمنية جراء انتشار هؤلاء العمال في الشوارع.
وشددت على ضرورة أن ينال أصحاب الشركات الوهمية والقائمون عليها أشد العقوبات، لقاء عدم اكتراثهم بالعمال، وسلوكهم سبيلاً غير شرعية لكسب الأموال، والتسبب بأضرار لمصالح العاملين وتهديد أمن المجتمع واستقراره.
وأشارت إلى أنه يجب على الجهات الاقتصادية التأكد من صدقية صاحب الشركة قبل منحه الرخصة التجارية ورخص العمل، والتواصل معه إلى حين الانتهاء من إنشاء الشركة للتأكد من سير المنشأة وفقاً للأسس المطلوبة.
أبعاد أمنية
قال اللواء الخبير خليل إبراهيم المنصوري، مساعد القائد العام لشؤون البحث الجنائي في شرطة دبي: إن الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية ترصد مثل هذه العصابات والإعلانات الوهمية بإداراتها التخصصية وفرق عملها.
وحذّر من مخاطر اللجوء إلى مواقع وجهات توظيف غير معتمدة على الإنترنت، لافتاً إلى أن كثيراً من المحتالين يمارسون النصب والاحتيال بوضع إعلانات للتوظيف في شبكات التواصل، وغيرها من المواقع بإيهام ضحاياهم بقدرتهم على توفير وظائف برواتب خيالية، مؤكداً أن شركات التوظيف الموثوقة لن تطالب بدفع مبالغ أو تقديم بيانات سرية أو شخصية.
وحذّر المستشار الدكتور علي حميد بن خاتم، المحامي العام الأول رئيس نيابة الجنسية والإقامة من شراء وبيع تأشيرات العمل والإقامة بصورة مخالفة للقانون، مشدداً على ضرورة الإبلاغ عن أي شركة وهمية تصدر إقامات للباحثين عن عمل وتتركهم عمالة سائبة داخل الدولة.
وأوضح أن عقوبة المتاجرة بتأشيرات الإقامة تصل إلى الحبس والإبعاد للبائع والمشتري، داعياً الباحثين عن عمل إلى اتباع قوانين الدولة للحصول على تأشيرات الإقامة بما يجنبهم الدخول في مخالفات ومساءلات أمام الجهات المختصة.
أبعاد قانونية
حذر المحامي وليد عسكر، من شراء أو بيع تأشيرات العمل والإقامة بصورة مخالفة للقانون، مشدداً على ضرورة إبلاغ السلطات المختصة عن أي شركة وهمية تصدر إقامات للباحثين عن عمل وتتركهم عمالة سائبة داخل الدولة.
وقال: الشركات الوهمية وسيلة للنصب وتجمع المال عن طريق الكسب السريع، من دون النظر إلى ما تسببه في المجتمع من آثار سيئة، وطالبنا هذه الفئة بضبط النفس ودراسة أي خطوة قبل المضي فيها.
وأشار إلى أن المرسوم بقانون اتحادي رقم 29 لسنة 2021 بدخول الأجانب إلى دولة الإمارات والإقامة فيها، ينص على العقوبة بغرامة 50 ألف درهم، كل من استقدم أجنبياً لغرض العمل ولم يشغله أو تركه يعمل لدى الغير، من دون اتباع الإجراءات القانونية المقررة لذلك، وتكون الحبس والغرامة إذا تكررت الجريمة، وفي كل الحالات تحكم المحكمة بإبعاد الأجنبي المخالف، كما ينص القانون ذاته على الحبس أو الغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف درهم، كل من استغل أو ساعد أو شارك أو سهل بأي وسيلة كانت، تأشيرة بشكل لا يتفق مع الغرض الذي منحت من أجله، وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفين، وعلى المحكمة أن تأمر بإبعاد الأجنبي عن دولة الإمارات.
أبعاد اقتصادية
وقال الخبير الاقتصادي يوسف العميل: إن المتاجرة بالتأشيرات ظاهرة سلبية تنطوي على أبعاد اقتصادية تحوّلت إلى تجارة رابحة، لمعدومي الضمير حيث تستخرج بعض الشركات الوهمية التأشيرات ثم تبيعها لأفراد من جنسيات مختلفة يستغلونها في دخول الدولة، وفي الأغلب فإن هؤلاء لا يغادرون الدولة بعد انتهاء مدّة هذه التأشيرات سواء للزيارة أو السياحة، ويتحوّلون إلى عمالة مخالفة، لأنها تعلم أن هؤلاء لن يطالبوا بحقوقهم إذا ما أخلّت بتنفيذ التزاماتها تجاههم، وتكون نتيجة ذلك هي ضياع حقوقهم، لأنها قد تفرز سوقاً موازية لسوق العمل الحقيقية، لا تلتزم القواعد والقوانين المعمول بها في الدولة، والأخطر أنها تكون في بعض الأحيان سبباً أو ستاراً لممارسة بعض الأعمال غير الشرعية، لأنها في الأغلب تؤدّي إما إلى عمالة مخالفة قد تتورّط في بعض الجرائم، كالسرقة أو الاتجار في المواد المخدّرة إذا فشلت في الحصول على فرصة عمل، وإما أنها تؤدّي إلى دخول بعض الأشخاص إلى الدولة لممارسة سلوكات سلبية.
سيدة تحوز 200 رخصة وهمية للمتاجرة
كشف المستشار الدكتور علي حميد بن خاتم، المحامي العام الأول رئيس نيابة الجنسية والإقامة أن نيابة الجنسية والإقامة أحالت سيدة عربية إلى المحكمة بتهمة حيازتها 200 رخصة لأجل عمل إقامات موظفين تبين أنها رخص وهمية كان غرضها المتاجرة والكسب المادي.
وأكد التزام نيابة الجنسية والإقامة التام بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، ورجال الأمن بالمرصاد لكل من تسول له نفسه مخالفة القوانين، وأنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتهمة، وإحالتهم إلى النيابة.
0 تعليق