المزعجون في الأرض

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المزعجون في الأرض, اليوم الأربعاء 30 أكتوبر 2024 12:35 صباحاً

لي زميل أعرفه منذ خمس عشرة سنة، أقدره وأحترمه، لكنه كان كثير التأفف والحلطمة من دون سبب وفي كل حين، إضافة إلى طباع سيئة لم أستطع معها صبرا إلى أن قررت هجرانه إلا من ضرورة قصوى، وكان آخر عهد بيني وبينه كلمته المعتادة هففففف.

أكثر ما يضرك في هذه الأرض أن تبتلى بمخالطة المزعجين، فإنهم ينقلون إليك مشاعر سلبية وأفكارا تشاؤمية، ويؤثرون فيك شئت أم أبيت، بينما يبيتون ليلتهم آمنين مطمئنين.

من المهم إعادة النظر في علاقتنا مع هؤلاء، فما يحوجك إليهم والحياة مليئة بأناس رائعين؟

في القرب من المزعجين عدوى لا تمنعها كمامة ولا تطعيم ولا مسافة متر ونصف؛ وهم الذين ينظّرون وينفّرون وينتقدون ويتدخلون فيما لا يعنيهم ويكثرون من قول "أنا".

تجد منهم من يتتبع أسرار الناس وهفواتهم وزلاتهم، ولا يعجبه فيهم العجب، ويعيب كل خطواتهم وخطراتهم، فهو يجسّد المثل القائل "ما لقوا للورد عيب قالوا له يا أحمر الخدين".

إذا تكلم فجَر، وإذا غنى أنشز، وإذا لعب ضجر، وإذا عطس أرعب، وإذا تثاءب شفط هواء الغرفة، وإذا تنفّس فكأنه تنّين، يبرد في الصيف ويولّع في الشتاء وينفّس في الربيع ويعصّب في الخريف.

ينافس الفقير على رياله، ويتهم الغني في ماله، ويتسلق على أكتافك ويحسدك على خيراتك.

يعد الماضي تخلفا والحاضر بئيسا والمستقبل شؤما وأحداث الدنيا كلها مؤامرة.

إذا رآك في مصيبة حمّلك سببها، وإن مرّت عليك نعمة نغّصها عليك.
لو رآك حزينا قال أنت ضعيف، ولو رآك متفائلا قال أنت سطحي، فإذا التزمت الصمت قال أنت ممل.

إذا اشتريت سلعة رخيصة انتقصها، فإن كانت غالية قال "ضحكوا عليك"، وإن أحضرتها "ببلاش" بلشك في التحذير من البلاش.

لا يرتاح إلى بحر ولا زرع ولا جبل ولا صحراء، ولو ذهبت به إلى جنان الأرض لأوجد فيها عيبا وخلق منها منقصة.

المزعج إذا تكلم في السياسة خُيّل إليك أن صباح الحروب النووية قريب، وإذا تكلم في الاقتصاد فكأن مجاعة قادمة لا تبقي ولا تذر، وإذا كلمك في الرياضة كرهتها وأمها.

أما في الطريق فحدث ولا حرج، لا يردعه ساهر ولا زاجر، البوق عنده عادة والشتائم على لسانه حاضرة والتجاوز لديه روتين، إذا سلك المسار الأيمن أسرع وإذا انتقل إلى الأيسر تباطأ.

وأما في المطعم فهو "قروشة"، يبالغ في طلباته ويتشتت في اختياراته، يريد المشروب بدرجة حرارة محددة والطعام بكمية استواء معينة والشكشوكة من دون بيض والفلافل بلا بقدونس والكوكتيل من غير موز، يتحمله "الجرسون" صابرا على لقمة عيشه، وإذا أوصاك بساندوتش "فهيّا خذلك" معايير: شطة قليل.. طحينة كتير.. مخلل وفير.. ثوم على الأطراف كاتشب في المنتصف، ويطلب منك أن تسألهم عن نوع الدجاج ومصدر الخضار وشكل الخبز وعمر المطعم وحجم الكيس... حتى إذا ذهب إلى الحلاق جعله يستهلك نصف ساعة ليضبط حد سكسوكته – إن وجدت - أو أطراف شعره وشاربه، إن وجدا.

فكيف تتعامل مع هؤلاء؟
إن كان زميل عمل فعامله حسب ضرورة العمل وإياك أن تشاركه تفاصيل حياتك.

وإن كان قريبا فله حق القربى في حدها الأدنى الواجب، وفي بعض القطيعة راحة.

وإن كان صديقا فاتركه بعد نصحه والدعاء له.. سيبدلك الله خيرا منه.

وإن كان حبيبا فتوجه إلى أقرب عيادة نفسية؛ إذ كيف أحببت شخصا مثله؟!

وإن كان جارا فارحل عنه ولو كلفك ذلك؛ فإنك إن لم ترحل إلى دارٍ أخرى فسترحل إلى دار الآخرة.

قال حكيم: إذا ابتليت بثقيل، فسلم له جسمك، وهاجر بروحك، وانتقل عنه وسافر، وملكه أذنا صمّاء، وعينا عمياء، حتى يفتح الله بينك وبينه وهو خير الفاتحين.

ثم إن الصديق القديم بعد غياب سنوات أرسل لي رسالة تبعها اتصال "واتس" – كعادته الغابرة - وأصر على أن ألقاه، وكأنه يريد أن يعيد العهد والوئام وأنقله من رتبة الزمالة إلى الصداقة، فما كان مني إلا أن رضيت وقلت لعل وعسى قد هداه الله وتغير شيء، واتفقنا على اللقاء في أحد المطاعم، فلما وصلنا سلم علي بحرارة ثم جلسنا، قبل أن أبادره: كيف حالك؟ طمني عنك؟ فقال لي: هففففف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق