السنوار ورحلته مع "أكتوبر".. ميلاد وحرية وطوفان ورحيل

دنيا الوطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السنوار ورحلته مع "أكتوبر".. ميلاد وحرية وطوفان ورحيل, اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024 02:32 مساءً

قضى في الأسر الإسرائيلي ما يقرب من عقدين، يقول مقربون منه إنه قضى هذه الفترة في دراسة إسرائيل، ونال حريته بعد ذلك في صفقة أسرى، ليسعى هو بنفسه إلى أسر إسرائيليين على أمل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين يقبعون بالسجون الإسرائيلية.

إنه يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في غزة، الخميس، بعد ما يزيد عن عام على ملاحقته باعتباره المطلوب رقم "1" عقب هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته الحركة الفلسطينية على مدن وبلدات إسرائيلية.

ومنذ الهجمات وحتى رحيله، كان السنوار البالغ من العمر 61 عاماً بمثابة "شبح" داخل قطاع غزة، قبل أن تختاره حركة "حماس"، في أغسطس، رئيساً لمكتبها السياسي خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل في العاصمة الإيرانية طهران.

السنوار الذي قضى نحو 20 عاماً في سجون إسرائيل، يقول تقرير استخباراتي إسرائيلي إنه "كان قاسياً، وموثوقاً، ومؤثراً ومقبولاً من قبل أصدقائه، ويتمتع بقدرات غير عادية على التحمل والمكر والتلاعب، ويحتفظ بالأسرار حتى داخل السجن بين السجناء الآخرين"، وفق ما نقلت صحيفة (فاينانشيال تايمز).

ودأب السنوار خلال فترة سجنه على دراسة اللغة العبرية، حتى إنه استخدمها خلال مقابلة مع قناة إسرائيلية داخل السجن بعد مرور 15 عاماً على تواجده بداخله.

يحيى السنوار.. زعيم الأسرى

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2011، غادر يحيى السنوار محبسه مع أكثر من نحو ألف أسير فلسطيني كجزء من عملية تبادل مع "حماس"، مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته الحركة.

وبعد عامين من تصنيفه ضمن "لائحة الإرهاب"، التي أعلنتها الولايات المتحدة عام 2015 بسبب دعوته إلى أسر إسرائيليين، تم انتخاب السنوار على رأس حركة "حماس" في غزة خلفاً لرئيسها السابق إسماعيل هنية عام 2017، كما أعيد انتخابه في 2021 لولاية ثانية.

وبخلاف التصنيف الأميركي، وضعت إسرائيل السنوار هدفاً استراتيجياً لعملياتها الأمنية والاستخباراتية بالنظر إلى وزنه ونفوذه الكبير في قطاع غزة، لا سيما بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر عام 2023.

وتقول صحيفة (فاينانشيال تايمز) إن "القراءة الخاطئة لشخصية السنوار شكّلت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي لإسرائيل"، مشيرةً إلى أن زعيم "حماس" أصبح شخصية "أسطورية" داخل قطاع غزة.

وكان السنوار يتمتع بحضور طاغ في قطاع غزة قبل الحرب، حيث كان يجري مقابلات، ويشرف على التدريبات العسكرية، كما ظهر في برنامج تلفزيوني لتقديم جائزة لعرض يُصور هجوماً لحماس على إسرائيل، وهو ما كان "تمهيداً غريباً" لما حدث في 7 أكتوبر، وفق الصحيفة.

ونقلت عن أحد الناشطين الفلسطينيين البارزين في القدس الشرقية قوله: "يشعر الكثير من الفلسطينيين بالفخر به، وكان يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني".

"ملاحقة العملاء"

السنوار، الذي كان يعرف على نطاق واسع باسم "أبو إبراهيم"، ساعد على بناء الجناح العسكري لـ"حماس"، وكتائب القسام، منذ أيامه الأولى. ولكن عندما اعتقل في أواخر الثمانينيات، كان ذلك بسبب دوره الخاص داخل "حماس" في مطاردة الفلسطينيين المشتبه في تعاونهم مع إسرائيل.

وبحسب تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط"، تلقَّى السنوار تعليمه في مدارس مخيم خان يونس، وأكمل دراسته بعدها بالجامعة الإسلامية التي تخرج فيها بشهادة في الدراسات العربية.

وبدأ نشاطه بالعمل الطلابي والتنظيمي حينذاك تحت مظلة "الكتلة الإسلامية"، ومنها شقّ طريقه إلى أدوار أوسع تكللت بتأسيس "المجد"، جهاز الأمن الداخلي لـ"حماس" المضطلع بأدوار حساسة أبرزها ملاحقة العملاء والمرتبطين بأجهزة الأمن الإسرائيلية.

وفي أواخر الثمانينات، اتهمته السلطات الإسرائيلية بقتل 4 "متعاونين"، فأصدرت عليه 4 أحكام بالسجن مدى الحياة. وتنقّل بين السجون الإسرائيلية شمالاً وجنوباً، وقضى فترات طويلة في غرف العزل.

ونقلت (فاينانشيال تايمز) عن، ميكا كوبي، الذي استجوب السنوار في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، قوله: "لقد قرأ كتباً عن شخصيات إسرائيلية، مثل فلاديمير جابوتنسكي، ومناحم بيجن، وإسحاق رابين"، مضيفاً: "لقد قام بدراستنا من الأسفل إلى الأعلى".

ونشأ السنوار في مخيمات الصفيح بغزة وبين أزقتها الضيقة بعدما نزحت عائلته من مدينة المجدل عقب "نكبة 48"، وطاله نصيب من شظف العيش، وطبعت الظروف القاسية علاماتها على شخصية الطفل الذي وقف شاهداً على "نكسة 1967".

وراكمت السنوات التي تلت الهزيمة رصيداً من الغضب والسخط في صدره، فاقمتها يوميات البؤس في غزة ومخيماتها، مخلّفةً "رغبةً ملحّة بالانتقام" لازمته لعقود تلت.

وكان في نظرته للصراع دائم الحديث عن "النكبة"، احتلال فلسطين في العام 1948، وما تركته من معاناة ممتدة لأهله، وكان لديه تطلع دائم لإحداث "صدمة وتغيير في موازين القوى"، كما يقول بعض ممن عرفوه.

وشملت دائرة المقربين من السنوار شقيقه محمد أحد كبار المسؤولين في الجناح العسكري، والقائد العسكري لـ"حماس" مروان عيسى الذي قتلته إسرائيل في مارس، وعضو المكتب السياسي لـ"حماس" في غزة روحي مشتهى، والقائد العسكري البارز عز الدين الحداد، وقائد الجناح العسكري محمد الضيف، حسبما قال إبراهيم المدهون، وهو خبير مقيم في إسطنبول لديه علاقة وثيقة مع "حماس".

وفي الأسابيع الأولى من الحرب، اعتقد مسؤولون استخباراتيون وعسكريون إسرائيليون أن السنوار كان يعيش في شبكة من الأنفاق تحت مدينة غزة، أكبر مدينة في القطاع وأحد الأهداف الأولى للقوات العسكرية الإسرائيلية، بحسب "نيويورك تايمز".

وخلال إحدى الغارات التي شُنت في وقت مبكر من الحرب على نفق في مدينة غزة، عثر جنود إسرائيليون على مقطع فيديو يُظهر السنوار وهو ينقل عائلته إلى مكان اختباء آخر تحت المدينة.

ويعتقد مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون أن السنوار أبقى عائلته معه طوال الأشهر الستة الأولى من الحرب على الأقل.

ولشهر أكتوبر حصة خاصة في فصول حياة "أبو إبراهيم" المليئة بالمحطات الصعبة والمثيرة والشائكة، ففيه وُلد في أزقة مخيم خان يونس قبل 6 عقود ونيّف، وفيه نال حريته من السجون الإسرائيلية بعد أكثر من عقدين أمضاهما فيها، وفي الشهر ذاته أطلق "الطوفان" نحو غلاف غزة مخلِّفاً وراءه ارتدادات كبرى هزت أرجاء المنطقة والعالم، وذلك كله قبل أن تغتاله إسرائيل في شهر أكتوبر أيضاً.

أسرى سابقون: متواضع ومرح ويبدو بسيطاً

نقلت "الشرق الأوسط" شهادات من أسرى سابقين عاشوا مع السنوار، وعرفوه عن قرب خلال سنوات الاعتقال في السجون الإسرائيلية.

وحاول الأسير السابق عصمت منصور، الذي كان ينتمي لـ"الجبهة الديمقراطية"، رسم "صورةً عن "العقل المدبر" لعملية 7 أكتوبر، حيث زامله في سجن عسقلان أواخر تسعينات القرن العشرين، وقال: "حينما كنت تلتقي السنوار ترى إنساناً عادياً، بسيطاً ومتديناً"، بيد أنه كان يحمل أيضاً "صفات القسوة والحِدّة في التعامل.. كان رجلاً متديناً، لكنه لم يكن خطيباً ولا منظِّراً، وحضرت الخلفية الدينية في تشكيل علاقاته".

وظهرت تجربة السنوار في صغره قبل دخوله السجن مبكراً وقضائه فترة طويلة فيه، في سلوكه ونظرته لما حوله وتعامله مع الآخرين. 

وقال منصور إن طفولته القاسية صاغت توجهاته السياسية، مضيفاً: "هو لا يقبل المساومة، ولا يرى إمكانية للحلول أو إمكانية للتوصل إلى صيغ واتفاقيات إلا في إطار التكتيك".

أما عبد الفتاح دولة، وهو أسير سابق ينتمي لحركة "فتح"، فقد شكّل انطباعاته عن السنوار قبل أن يلتقيه أول مرة عام 2006، فقال: "تناقل الأسرى صيت السنوار من سجن إلى آخر، ورسموا صورة عن رجل حاد الطباع وصاحب قرار".

تلك الانطباعات عززها اللقاء الأول الذي جمعهما في سجن بئر السبع الصحراوي. ويقول دولة: "يحيى السنوار الشخص الاجتماعي الإنساني يختلف عن القيادي الحمساوي.. يحيى السنوار الذي كنت تتناقش معه في قضايا عامة يختلف عن الذي كنت تخوض معه في قضايا فصائلية.. هنا يكون اجتماعياً وهناك يكون متعصباً".

"كان يلفتك تواضعه، وعلاقته المرحة مع الشباب"، هكذا وصف صلاح الدين طالب، الأسير السابق الذي ينتمي لحركة "حماس"، انطباعاته الأولى عن السنوار في أول لقاء جمعهما، قبل أن يُفرج عنهما لاحقاً في صفقة التبادل عام 2011.

لكن طالب يلفت إلى أن طبيعة القيادي الحمساوي الأمنية جعلته مختلفاً عن قيادات الحركة الآخرين، فهو "ليس داعيةً، بل هو مؤسس جهاز (مجد) الأمني، وانعكس هذا إلى حد كبير على شخصيته، فرغم علاقاته الاجتماعية القوية، فإنه في الجانب الأمني كان شديداً وقاسياً".

"السرطان" داخل السجن

تروي صحيفة "الشرق الأوسط" كيف تعرَّض السنوار لوعكة صحية كادت تودي بحياته خلال الفترة التي كانت تجري فيها المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى.

وأربك اكتشاف إصابته بمرض خطير الحسابات آنذاك، وأضاء إشارات القلق لا سيما لدى إسرائيل، إذ كان السنوار اللاعب الأول في تلك الصفقة.

وبعد تفاقم وضعه الصحي في زنازين العزل بسجن بئر السبع جنوب إسرائيل، حثه رفاقه على الذهاب إلى عيادة السجن. وقال دولة: "كان السنوار عنيداً، ويرفض دائماً الاستعانة بإدارة السجون"، إلا أن وضعه ازداد سوءاً وخطورة وفقد وعيه، ما أجبره على الذهاب للعيادة، ما أحدث قلقاً كبيراً لدى إدارة السجون التي أعلنت حالة الطوارئ على الفور، وأغلقت القسم الذي يقيم فيه السنوار.

وسرد دولة تفاصيل تلك اللحظات التي رافقت الانتكاسة الصحية: "جاء ممثل عن إدارة سجن السبع، وأخبرنا بأن المؤشرات تشير إلى أن السنوار يعاني وضعاً صعباً". وفي تلك الأثناء حطّت مروحية في مهبط السجن، وأقلّت السنوار على وجه السرعة إلى مستشفى سوروكا ليدخل بشكل عاجل إلى غرفة العمليات، حيث وجد الأطباء ورماً حميداً في الرأس سارعوا إلى استئصاله.

ولفت عصمت منصور إلى أن "لا أحد كان سيصدق في العالم أنهم لم يغتالوا السنوار، أو يصفّوه" بدل علاجه، "وهو ما كان سيُلقي بانعكاسات كبيرة على الصفقة".

بعض من عرف السنوار كان يعتقد أنه انتهج في بعض مراحل أسره سياسة "براجماتية". وقال منصور: "ربما كان البعض يفاجأ بأنه شخص يعقد صفقات.. عقَد صفقات في مراحل سابقة مع الإسرائيليين، وهو قادر على التوصل لحلول وسط ومساومات في مراحل معينة، لكن ضمن توجهاته".

إلا أنه وبعد نحو أكثر من عام على حرب غزة وما خلَّفته من خسائر ودمار، لم يبد مصير قائد "حماس" مفاجئاً، ربما لأنه هو نفسه توقع هذا المصير في مناسبات عديدة من قبل، بل في إحدى خطاباته التي بثتها "حماس" بشكل مباشر عام 2021، تحدّى السنوار إسرائيل أن تستهدفه بشكل مباشر، مبدياً عدم اكتراثه، وقال إنه يُفضل الموت بصاروخ إسرائيلي على أن يموت بكورونا أو بشكل طبيعي.

آنذاك خرج يحيى السنوار إلى شوارع غزة وتجول فيها مشياً على الأقدام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق