ثلاثمائة وخمس وستون يوما وبعد.. القتل والاستباحة مستمران

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ثلاثمائة وخمس وستون يوما وبعد.. القتل والاستباحة مستمران, اليوم الأربعاء 9 أكتوبر 2024 12:34 صباحاً

ماذا حدث منذ عام؟ مضى عام على أفظع سنوات الإنسانية بشاعة، حيث سقطت بامتياز وفازت بامتياز ربما.. لكنها سقطت لدى كل القوى التي تلهج بالحقوق الإنسانية والقانون الدولي واحترام.. مرة أخرى.. الإنسانية.. كلمة الإنسانية درجت هذا العام على ألسنة شعوب العالم من شرقه لغربه لشماله لجنوبه تتساءل عن معناها ومغزاها ولمَ تسرِ على قوم وننساها عن آخرين.

عام كشف عن وجه العالم المتحضر القبيح والمشوه.. وجهه العنصري المنحاز إلى الرجل الأبيض والمرأة البيضاء والوزة البيضاء.. فهو من جانب يندد بالعنف مطالبا به أن يصبح أكثر تحديدا ودقة ومراعاة ومن جانب يغدق المليارات على الكيان الصهيوني أسلحة لم يسبق لبشر أن استخدمها على بشر حتى تسقطها على المختبر الحي، مسلحة بالفيتو التي تطلقه الدولة التي تعتبر نفسها مؤلهة ومالكة الملك على هذا الكوكب، تسيره كيفما تشاء ولا يستطيع أحد أن ينبس ببنت كلمة إلا وراء الكواليس.

القتل وسفح الدماء لم يعد لها عنوان ولا لغة يمكن أن تصفها أو تعبر عن مآسيها، أصبح طبيعيا بعد 365 يوما من القتل اليومي والذبح اليومي والاغتصاب اليومي ليس للبشر فحسب بل وللموتى أيضا.. للكبار والصغار، الأصحاء والمرضى، ذوي الاحتياجات الخاصة ومواليد الأيام والأشهر.

كله أصبح طبيعيا.. أصبح معتادا.. أصبح من الأخبار اليومية المعتادة قتل الأطباء والصحفيين والمسعفين والأطفال والمصابين بجروح أو توحد أو داون سندروم.

من الطبيعي إسقاط القنابل على البيوت بعد وصول رب البيت إليها، على المساجد والكنائس، على المدارس والمستشفيات، على المآوى والملاجئ، على كل من يتحرك لمجرد المتعة بالتصويب عليه أو عليها.

للجندي الإسرائيلي المريض، الذي يكرر أنه الأكثر أخلاقية في العالم، أصبح التدمير لديه تسلية ولهوا يتفاخر به على السوشال ميديا.

ثلاثمائة وخمس وستون يوما من القتل الوحشي الممنهج أمام مرأى العالم، وقد تحولت صوره إلى خلفية للحوارات أو الأعمال اليومية.. ثلاثمائة وخمس وستون يوما لم يتوقف القتل في غزة ولكن انضمت إليه أجزاء أخرى من فلسطين، الضفة الغربية ومخيماتها المغلوبة على أمرها بدورها وقد تفرغ لها العدو بعد أن قضى على ما يمكن القضاء عليه في غزة وبعد أن اغتال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، ووجد أنه قادر على التوسع دونما ممانعة من أحد، ومع كل خط يتخطاه ولا يجد من يوقفه، ينتقل للخطوة التالية بخطط أكثر تحديا واستفزازا.

في الضفة يقرر ضم المزيد من الأراضي فضلا عما يستولي عليه المستوطنون قسرا، ومن ثم يتوسع شمالا بعد أن تيقن أن غزة أصبحت تحت يده، وحتى ولو لم تكن، لكن الانتصارات بالقتل اليومي تجعلهم يستعدون لما يلي، الشمال، لبنان، وما أن تفرغوا للبنان التي كان حزب الله برئاسة حسن نصر الله يدغدغ إسرائيل برشقاته عليها بين الفينة والأخرى وبالتهديد بين الآونة والتالية، معلنا أنه لم يكن على علم بالسابع من أكتوبر ولم تتم استشارتهم، أي أنه تنصل من أي مسؤولية للدفاع عن غزة أو فلسطين وما رشقاته إلا رفعا للعتب بالنيابة عن إيران وفيلق قدسها الذي تتمترس وراءه حجة.

لكن وقت الحاجة لم يقم حزب الله بأي عمل حقيقي ينقذ فيه الفلسطينيين في غزة أو يُشغل الكيان الصهيوني حقا عن استهدافه واستفراده بغزة.

ولا شك أن حسن نصر الله عندما وصله الصاروخ الإسرائيلي الذي قضى عليه تذكر وقال "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، ولكن.. ولات حين مناص.. سبق السيف العذل.

وعادت الماكينة الإسرائيلية تعيد فلم غزة الوحشي على لبنان وأهله، تبيد وتدمر قرية بعد قرية وحيا بعد حي مستخدمة كل الأسلحة والقنابل المحرمة دوليا.

السيناريو نفسه، إخلاء.. فتدمير.. فتهجير.. فقصف المستشفيات.. قصف الطرقات.. المعابر.. قتل الأطفال والنساء والأطباء والصحفيين، والآن يجهزون قصف بيروت من البحر.

وكذلك سيناريو ردود الفعل العالمية نفسه.. بضعة تعاطف هنا وهناك لكن الطبطبة على إسرائيل هي الغالب الأعم.. وبدلا من استنكار قتل المدنيين (خمسمائة شهيد في يوم واحد في لبنان) تخرج النائبة هاريس والمرشحة للرئاسة الأمريكية بتعليق ليس له صلة بما يحدث على الأرض وتقول إن يدي حسن نصر الله ملطخة بالدماء.. وماذا عن يدي نتنياهو وغالانت وبقية الطقم؟ وماذا عن الأطفال والنساء والمدنيين الذين كانوا آمنين في بيوتهم؟

بعد عام كامل على بداية الحرب على غزة والتي امتدت اليوم إلى الضفة ولبنان وأجزاء من سوريا واليمن، نجد أن إسرائيل وقد شارفت على محو غزة من الوجود ما زالت تتلقى صواريخ منها، مهما كان ضعفها، تطلقها حماس من مناطق كانت تعتقد إسرائيل أنها "طهرتها" وإذ بها تنطلق منها صواريخ تصل إلى أجواء تل ابيب نفسها.

كما أن أقل من نصف الأسرى الإسرائيليين ما زالوا في حوزة حماس لم تستطع قوات المحتل البالغة حوالي 650 ألف جندي ما بين نظامي واحتياطي من تحريرهم من جنود حماس الذين لا يتجاوزون عشرين ألف مقاتل، فُقد منهم الكثير.

كما وإن نجحت إسرائيل في إبادة 2% من سكان غزة في تعداد وصل إلى ما يزيد على 41,000 شهيد وشهيدة، وفي إصابة ما يقارب المائة ألف ما بين إصابات وبتر أعضاء خلفت الآلاف ممن أصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنهم ما زالوا صامدين.

كيف سيستمر صمودهم، هذا ما لا يمكن التنبؤ به، لكن إسرائيل تحاول أن تجعله مستحيلا بمحو ما يمكن أن يعودوا إليه، لا بيت، ولا مدرسة، ولا جامعة، ولا بقالة، ولا حارة، ولا حديقة، ولا ولا ولا.. إجرام مبني على منهجية لم تقتصر على عام واحد بالطبع وإنما على قرن من التربية الأيديولوجية التي تحول الطفل الصهيوني الإسرائيلي إلى آلة حرب، وقد مسخت الطرف الآخر من معادلة الأرض إلى ما دون البشر حتى تبرر كل ما تقوم به من فظائع.

لكن بالمقابل فإن إسرائيل نجحت في جعل خسائرها في الحدود الدنيا الممكنة، لكنها حدود نراها كبيرة وقد عكس الغرب والعدو على أذهاننا فكرة قيمة الجندي الواحد الذي نستعظم سقوطه قتيلا أمام عشرات الشهداء من الفلسطينيين والآن من اللبنانيين.

الكثير من العرب في حالة غضب من عدم قدرتهم على فعل شيء يساندون به إخوتهم في فلسطين ولبنان وهناك من اقتحم مقر الجامعة العربية في تونس يطالبون الجامعة بأن تتحرك وتتخذ موقفا شجاعا ينقذ ما يمكن إنقاذه، فقابلوهم بالتهديد والطرد.

لكن الكيان الصهيوني مع الصمت العالمي الرسمي أو المساندة بالجيش والعتاد، وإدراكه للعالم العربي الحريص على مصالحه من أن تُمس، يرى أن أمامه فرصة لا تتكرر.. فرصة التوسع إلى ما لا نهاية.. ليس هناك من يقف أمامه أو يمنعه ولا حتى كل محاكم الأرض ومنظماته الدولية... وها هو يطلب المزيد من الولايات المتحدة والمزيد من أسلحتها المتطورة دون أي حياء، بل بقوة عين من يعتبره حق.

حق لإسرائيل للدفاع ليس عن نفسها وإنما عن مصالح كل الغرب الاستعمارية المتخفية في أقنعة مبادئ سقطت ودفنت مع أعداد الشهداء المدفونين فرادى أو جماعات، معروفين أو مجهولين، كاملين أو أشلاء.

هذا الكيان المتوحش والعالم المساند له، لا يكفيه ما شرب من دماء بشر وما استنشق من روائح الموت وتراب المباني المدكوكة إلى النخاع، ولن يكفيه ما تدمر وما أبيد ولا تحويل حياة من حولهم إلى جحيم.. كل هذا لن يكفي وسوف يستمرون في التمدد والتغول والإعلان عن خرائط جديدة لتكون لهم خرائط طريق لإسرائيل الكبرى وما بعد الكبرى.

إن تجاوز إسرائيل لكل الخطوط الحمراء من جرائم حرب وإبادة امتدت إلى خط الاغتيالات السياسية في وضح النهار لكل القادة السياسيين الذين تختلف معهم مستبيحة كل أرض وكل سماء وكل دولة وكل منها يعتقد أنه في منأى وفي مأمن.

إن ما يُخشى منه اليوم هو حسن نصر الله آخر يقول: أُكلتُ يوم أُكلَ الثور الأبيض.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق