التعليم بالمشاريع.. الطلاب في مواجهة التقييم

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحقيق: محمد إبراهيم
في ظل التحولات المستمرة في أنظمة التعليم عالمياً، ظهر مفهوم التعليم القائم على المشاريع كأحد الأساليب الرائدة التي تعزز تعلم الطلاب بمشروعات حقيقية تربط ما يتعلمونه بالواقع الحياتي، ليكون أداة فاعلة لتقييم مستوى الطلاب التعليمي والمهاري.
في وقت تطبق وزارة التربية والتعليم للمرة الأول نظام التعليم بالمشاريع، إذ جعلته بديلاً عن الاختبارات في الفصل الدراسي الثاني للعام الأكاديمي الجاري 2024-2025، مستهدفة طلبة الحلقة الثانية من الصف 5 إلى 8، ولكن هل تفلح التجربة؟
خبراء أكدوا أن التعليم القائم على المشاريع يعد تحجيماً للجوانب النظرية في التعليم لتغليب «التطبيقية»، ويعتبر أسلوباً تعليمياً ينمي مهارات البحث، والتخطيط، والتطوير، وحل المشكلات لدى الطلاب، بتنفيذ مشاريع مرتبطة بواقع الحياة، لابتكار منتج أو حل قضية واقعية.
ويرى تربويون أن هذا النمط التعليمي يمكنه أن يكون فعالاً جداً في ربط معارف الطلاب بواقع ملموس، ما يعزز من فهمهم ويجعل التعليم أكثر إثارة ومتعة، ولكن يتطلب الأمر تخطيطاً جيداً وتوفير الموارد اللازمة لضمان نجاح التجربة.
تجربة غنية
أكد معلمون أن التعليم بالمشاريع يوفر تجربة غنية بالمعارف والتطبيقات العملية للطلاب، ورغم أن هذا الأسلوب يتطلب تحضيراً وموارد إضافية، إلا أن النتائج الأولية الملموسة تظهر مهارات الطلاب وقدراتهم على التفكير النقدي والعمل الجماعي.
طلاب وأولياء أمور أكدوا أن التعليم بالمشاريع فرصة لتمكين الطلاب من ربط العلوم والمعارف التي تعلموها داخل قاعات الدراسة بالواقع الحياتي، ما يسهم في إثراء تجربة التعليم ويعزز مهارات متنوعة لديهم.
«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي بمختلف فئاته أهمية التعليم القائم على المشاريع، وكيف سيكون أداة فاعلة في تقييم معارف وقدرات الطلبة في المرحلة المقبلة.
أداة تقييمية
البداية كانت مع قراءة «الخليج»، إذ أقرت وزارة التربية والتعليم المرحلة الأولى للتعليم القائم على المشاريع لطلبة الحلقة الثانية في الصفوف 5-8، كأداة تقييمية جديدة ضمن سياسة تقييم الطلاب، على أن تكون المشاريع بديلًا للاختبارات في الفصل الدراسي الثاني، لتقيس مهارات وممكنات الطلاب التعليمية. في وقت ظهر «التعليم القائم على المشاريع» على خارطة التعليم العالمية في السنوات القليلة الماضية، كنهج يركز على التعلم بتنفيذ مشاريع حقيقية تعكس التحديات والفرص في العالم الخارجي، ويسعى لربط المعرفة النظرية بالواقع الملموس.
وتشير الدراسات إلى أن هناك نجاحات ملحوظة في تطبيق هذا النموذج، حيث أظهر العديد من الطلاب تحسناً كبيراً في الأداء الأكاديمي والمشاريع العملية، كما ساهم التعليم القائم على المشاريع في تعزيز مهارات التفكير النقدي وقدرة الطلاب على حل المشكلات، ما يجعلهم أكثر استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل.
تغليب الجانب التطبيقي
وفي وقفة مع عدد من التربويين ضم سومية رشيد وعلياء مهران والدكتور فارس الجبور والدكتور هاني حمزة، أكدوا أهمية هذا النمط التعليمي في تغليب الجانب التطبيقي في تعليم الطلبة وتحجيم الجوانب النظرية التقليدية التي لم تسهم في الارتقاء بمهارات الطلبة.
وقالوا إنه على الرغم من فوائده الكثيرة والإيجابيات التي ظهرت من هذه التجربة، فإن تطبيق هذا النمط يحمل 5 تحديات، أبرزها إدارة الوقت، حيث إن إنجاز مشروع يتطلب تخصيص وقت كبير، ما قد يؤثر على إنجاز المواد الدراسية الأخرى، فضلاً عن أن بعض المشاريع تتطلب موارد مالية أو تقنية غير متوفرة بشكل دائم في جميع المدارس، ما قد يعيق سير العملية بشكل سلس.
قدرات خاصة للمعلمين
وأضافوا أن هناك تحديات تتعلق بتأهيل المعلمين، حيث يتطلب هذا النمط قدرات خاصة لدى المعلمين لإرشاد الطلاب دون تقديم حلول جاهزة، ما يعني ضرورة التدريب المكثف للمعلمين على هذا النوع من التعليم.
ومع ذلك، تبقى هناك تساؤلات حول نجاح هذه التجربة. هل سيتمكن الطلاب من تحقيق الفائدة المرجوة؟ هل تستطيع المدارس توفير الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريع فعالة؟ وهل يمكن للتعليم القائم على المشاريع أن يلبي احتياجات جميع الطلاب، بما في ذلك أولئك الذين يعانون من صعوبات في التعلم؟
وأكدوا أن تجربة التعليم القائم على المشاريع تتطلب تغييرات جوهرية في طريقة التدريس، إذ يجب على المعلمين أن يصبحوا مرشدين أكثر من كونهم مجرد ناقلين للمعلومات، ويتطلب ذلك تدريباً مستمراً للمعلمين، بالإضافة إلى تغيير المناهج الدراسية لتتماشى مع هذه التجربة.
إدارة التكلفة
وفي لقاء مع عدد من الخبراء.. الدكتور كمال فرحات والدكتور وافي الحاج وآمنة المازمي، أكدوا أهمية إدارة كلفة التعليم القائم على المشاريع، لاسيما أنه يشهد انتشاراً متزايداً في جميع أنحاء العالم نظراً لفوائده العديدة، بما في ذلك تعزيز المهارات العملية والتفكير النقدي لدى الطلاب، ويوظف في الوقت الراهن كأداة لتقييم الطلبة بدلاً عن الاختبارات. وأوضحوا أن كلفة تنفيذ هذه البرامج التعليمية قد تكون عالية، ما يثير تساؤلات حول كيفية معالجتها، مؤكدين ضرورة تركيز المدارس والمؤسسات التعليمية على البحث عن شراكات مع الشركات المحلية أو المؤسسات غير الربحية، للحصول على التمويل وتقديم الموارد اللازمة مثل المواد التعليمية أو الخبراء في المجال، ما يسهم في تقليل العبء المالي على المدارس.
استخدام التكنولوجيا
وقالوا: «ينبغي التفكير في استخدام التكنولوجيا بشكل فعال، إذ يمكن دمج الأدوات الرقمية في هذا النمط التعليمي، مثل استخدام منصات تعليمية عبر الإنترنت أو برامج محاكاة، ما يمكن أن يقلل من الحاجة للمواد المادية ويتماشى مع الميزانيات، كما أن التقنيات تتيح للطلاب فرص التعلم عن بعد، ما يساعد في توفير التكاليف اللوجستية مثل النقل.
وأكدوا أنه يجب على المدارس العمل على تدريب المعلمين على كيفية استخدام الموارد المتاحة بشكل أكثر كفاءة، بتوفير ورش عمل ودورات تدريبية، ليصبح المعلمون قادرين على تصميم مشاريع تعليمية فعالة دون الحاجة إلى تكاليف إضافية، فضلاً عن قدراتهم على تبادل المعرفة والخبرات فيما بينهم، ما يعزز الابتكار ويخفض التكاليف.
وعي مجتمعي
ومن المهم أن يكون هناك وعي مجتمعي بأهمية التعليم القائم على المشاريع، إذ يجب على القائمين على التعليم توعية الأهالي والمجتمع بأهمية هذا النوع من التعليم في تطوير مهارات الطلاب، فمن خلال تعزيز الدعم المجتمعي، يمكن إنشاء صناديق خاصة لدعم هذه البرامج، ما يسهل على المؤسسات التعليمية تقديم المزيد من المشاريع.
التفكير النقدي
وأكد عدد من المعلمين.. سماح عبد الله وسهام السيد ومحمود علي وعلياء آلياس وريبال غسان وصلاح فوزي، أهمية هذا النمط من التعليم، لاسيما أنه تم رصد تطور ملحوظ في قدرات الطلاب على التفكير النقدي واتخاذ القرارات، وأصبحوا قادرين على ربط ما تعلموه نظرياً بتطبيقات عملية، فضلاً عن إحساسهم بالمسؤولية تجاه البيئة، وازداد تفاعلهم مع مواضيع المناخ والاستدامة.
وأضافوا أن الطلاب الذين يعانون من صعوبة التركيز في الفصول التقليدية أبدوا حماسة كبيرة عند العمل على المشاريع، موضحين أن التعليم بالمشاريع يشتمل على فوائد جمة أبرزها تطوير المهارات العملية، وتعزيز الدافعية، والتعلم العميق، وجميعها مسارات تقويمية لأداء الطلبة لتحقيق التميز في مختلف المواد.
تحقيق التوازن
فيما يرى عدد من أولياء الأمور أن هذا النوع من التعليم يتطلب من الأبناء وقتاً إضافياً للعمل خارج المدرسة، وهنا يجب أن يتعلم الطلبة كيفية إدارة الوقت، ليتمكنوا من تحقيق التوازن بين المشاريع ودراسة المواد الأخرى. وأكد عدد من الطلاب.. مهرة علي وحسين عبد الله وهيثم مروان وعلياء علوان، أن التعليم القائم على المشاريع يساعد الطلاب على اكتساب مهارات عملية مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، وتزداد دافعية الطلبة للتعلم، عند رؤية تطبيقاتهم العملية، لاسيما أن هذا النهج يعزز فهم المتعلمين للمواد الدراسية بشكل أعمق عبر التطبيق العملي، مؤكدين أن هذا النمط غير نظرتهم للتعليم الذي لم يعد مجرد كتب ودروس.
أظهرت دراسات وتقارير دولية حديثة أن التجارب التطبيقية سجلت نجاح هذا النهج التعليمي في عدة مدارس وجامعات حول العالم، حيث لاحظ المعلمون تحسناً في مستوى فهم الطلاب وزيادة في مشاركتهم داخل الفصول الدراسية.

تستحق التوسع

أكد عدد من الخبراء أن التعليم القائم على المشاريع تجربة تستحق التوسع، لكن مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي قد تواجه المدارس، ولكن نجاح هذا النوع من التعليم يعتمد على توفير الموارد اللازمة، وتدريب المعلمين بشكل كافٍ، والتخطيط الجيد لضمان عدم تأثير المشاريع على بقية المواد الدراسية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق