نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حديث الموت في لبنان, اليوم الاثنين 7 أكتوبر 2024 03:33 صباحاً
هكذا هي لبنان؛ كسيدة جميلة تعلق بها مراهق وهيمنت على كثير من شاكلته، وأصبح الابتعاد عنها ورطة، والاقتراب منها فخ كبير. والجنائز والدماء والتشريد والفقدان، مفردات لها نصيب الأسد في القصص والحواديت الدقيقة القادمة من تلك الدولة. والأدخنة الصادرة عنها تشبه إلى حد كبير الدخان الأزرق، الصادر عن سيجار عتاة السياسة في حانة فارهة. وربما هذه أرحم من تلك. والعنكبوت الأسود حاضر في مشهدها الواضح والخفي. والعناكب ألوان وأنواع، منها ما هو سام وقاتل، والآخر وديع، لكنه ذو شكل مروع. اللهم لا تصب غيري بما أصابني من فوبيا العناكب.
كنت أريد القول من خلال هذه المقدمة التعيسة، إن النيران المشتعلة في لبنان قد تشير إلى أنه من نافلة القول، أن الإطلالة على جهنم باتت متاحة، بعد أن فتحت الأبواب على مصراعيها، لحالة استقطاب مرتفع المقاييس، شكلت ظرفا سياسيا جديدا في المنطقة، ومنعطفا تاريخيا، كل الإيحاءات تلمح إلى أنه سيؤدي للانزلاق لنفق مظلم، وهذا نظير عدم عدالة الملفات التي ساقت الجميع إلى المواجهة.
في الواقع إن التمادي في رغبة الاقتتال، ينبئ بأن الجميع أحرق قواعد الاشتباك، التي كانت على الأقل تؤطر المواجهة التاريخية بين حزب الله وإسرائيل، وهذا في حقيقة الأمر لا يهمني، بقدر ما يمكن النظر للإنسان اللبناني الذي لا مفر له من مواجهة تبعات حرب غير مسؤولة.
هذا أولا. ثانيا، فإن تفعيل أسلوب المواجهة بالصوت أمام ترسانة إسرائيلية، لا حل له إلا آلة القتل، لهو من باب العبث، الذي سيقود الطرف الأضعف إلى أسفل صفحات المسؤولية التاريخية.
كيف؟ بمعنى أن حزب الله الذي فتح المواجهة مع إسرائيل، يتحمل وزر التنكيل والتهجير الذي تعرضت له أكثر من مليون أسرة لبنانية، فرت من لهيب الحرب التي بدأها الحزب ودفع ثمنها الإنسان البسيط. وهذا اسمه وصفته صلف مارسه الحزب بحق أبناء جلدته، طبعا إن كان يعتبر اللبنانيين بجميع شرائحهم ضمن مروحته السياسية والأخلاقية.
وكما في لبنان مجرمون تحكمهم شهوة القتل، ففي تل أبيب مجرم معتوه لا يمكن الثقة به، كيف لا وهو الذي استفاد من جميع الظروف اللحظية في العالم، لتحقيق رغبته في نزف مزيد من الدماء. ماذا أعني؟ أقصد أن كما في لبنان طغمة متسلطة انقادت يوما ما للدخول في أتون الصراع السوري، وتلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، ففي المقابل هناك من هو في تل أبيب استغل حالة الفتور السياسي التي تعيشها واشنطن لقرب مغادرة الإدارة الحالية، ورفع سقف طموحاته للتنكيل بميليشيات متطرفة على مرمى حجر مما يتصور أنها أرضه ووطنه الشرعي، بعد أن تجبرت وطغت وعاثت في الأرض فسادا. ذلك قد يكون من باب العدالة الإلهية، ربما، لكن ما يهم من ذلك هم الأبرياء لا أكثر ولا أقل.
وماذا بعد؟ ماذا يحتاج لبنان بعد هذه المسرحية الدامية؟ إلى عديد من المواقف؛ أولها التحضير للقادم من الأيام، وذلك لن يكون دون تهيئة الرأي العام اللبناني، بأن فكرة حزب الله التي كرس أنها لا تموت، قد ولت واندثرت، بمعنى أن التابوه الخاص بالحزب قد كسر، مع نفض غبار الهالة الدينية الملتصقة به، مسبوقا بحرق مفهوم المقاومة الأيديولوجي، بعد ثبات فشله، وغير مناسبته للعيش في دولة كلبنان. وتلك الفكرة لن يجدر لها أن تتحقق إلا من خلال قائد وزعيم مسيحي قوي، كسمير جعجع. وأتصور أنه المناسب لإنقاذ البلاد والعباد، أما بقية الزعماء المسيحيين، فمعروف محسوبيتهم على محاور إقليمية – الشامي ملتم على المغربي – كما يقال.
ثاني حاجات لبنان: استعادة الجيش لثقله وقيمته وعقيدته ومعنوياته، التي نحرها الحزب من الوريد للوريد، خلال الأربعين سنة الماضية. ثالثا: الجلوس لطاولة حوار تؤسس لتوافق لبناني – لبناني، يهيئ انتقال البلاد من حالة التشرذم إلى الاستقرار.
أعتقد أن تلك الدولة التي تعيش أزهى أشكال التعايش السلمي، قبل سيطرة السلاح السائب على قرارها، لا تستحق المضي في هذا الطريق المظلم الذي نسف تاريخها، وأخمد مناراتها الثقافية والفنية، التي لطالما كانت نبراسا للعرب، والعالم الآخر.
إن الوقت قد حان للتحلي بكثير من الشجاعة والوطنية. والحديث حين يصمت الجميع. وتبديد قناعة أن اللبنانيين عبيد لحزب الله، بموازاة أن التابعين له شعب الله المختار.
حتى يتوقف سلب الإرادة في طهران. ولا يسقط كل شيء تحت أقدام الأخرق في تل أبيب. والأهم؛ عودة الأمهات للأمان، ونثر الأرز في حالات الفرح، ورفع صوت فيروز في الطرقات، ومعزوفات الأطرش ووديع الصافي، وصخب جنون الموسيقى الرحبانية، لتجاوز أغلال البؤس.. وحديث الموت في لبنان.
0 تعليق