نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما بين الاستقرار والتغيير, اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024 04:26 صباحاً
نعم وهذا أمر غير مستغرب فهو يعود إلى طبيعة العلاقة بين شدة الصراع واتساع الفجوة بين الأجيال، حيث تتميز هذه العلاقة بكونها علاقة طردية، أي كلما ازداد اتساع الفجوة الجيلية اشتد معها الصراع الجيلي أكثر.
"يبدو الصراع متواجدا ليس في الحياة الاجتماعية فحسب، بل حيث كانت الحياة" - رالف داهرندورف، عالم اجتماع ألماني ومن رواد النظرية الصراعية.
قد يقع البعض منا في موقع الخطأ بشكل مقصود أو غير مقصود سواء في التربية أو حتى بين فرق العمل؛ وهو غالبا ما يكون بسبب جهلنا وقصور نظرتنا التحليلية التفسيرية للعلاقات من حولنا وطبيعة التفاعل، بالإضافة إلى غيرها من الأسباب التي لم تذكر هنا.
ومن هذا المنطلق ستحاول هذه المقالة تفكيك الظاهرة وتحليلها في الحدود العلمية والمعرفية لاطلاع وبحث كاتب هذه الأسطر، حيث إنها تقع في محط اهتمام المتخصصين في حقول العلوم الاجتماعية بشكل عام.
بداية ما المقصود بالجيل؟ تميل هذه المقالة إلى تصور كارل مانهايم عن الجيل، حيث إنه أول عالم اهتم بدراسة الصراع الجيلي، وهو يرى أن الجيل عبارة عن مجموعة من الأفراد لهم أعمار متقاربة يشتركون في تغيير اجتماعي كبير أو حدث تاريخي مهم عبر خطهم الزمني.
إن ما سبق ينقلنا إلى محور أهم للفت النظر إليه وهو مصطلح وحدة الجيل Generation Unit، والذي تمت الإشارة إليه مسبقا لدى كارل مانهايم في مقالة بعنوان مشكلة الأجيال The problem of generations، حيث يقصد بوحدة الجيل كل وحدة اجتماعية ترتبط فيما بينها بموقع ونسق ثقافي مشترك بالإضافة إلى وعيهم الذاتي كوحدة اجتماعية وتتميز بدرجة من التضامن والتفاعل الاجتماعي بين أعضائها، كما تعود نشأتها في الأصل إلى التغيرات والأحداث الكبرى، بمعنى أصح هي استجابة وردة فعل للتغيرات المجتمعية، وبناء على العلاقة التفاعلية بين المجتمع والأفراد فإن وحدة الجيل تعد عاملا مهما دافعا نحو المزيد من التغيرات.
إضافة إلى ما سبق، فإن وحدة الجيل يمكن أن تضم مجموعات مختلفة وقد تكون مجموعتين مختلفتين على الأقل، إحداهما محافظة والأخرى ليبرالية أي منفتحة على التغيرات الحاصلة في البنى الاجتماعية، وقد يتساءل القارئ عن سبب الاختلاف بين هاتين المجموعتين بالرغم من أنهما من الجيل نفسه وتعرضا إلى المثير نفسه؛ وللإجابة على تساؤل قارئ/ة مقالتنا المتواضعة ننوه إلى أن هذه المجموعات ليست إلا استجابة فكرية واجتماعية وثقافية... إلخ نحو المثير التاريخي / الهيكلي الذي واجه الشباب نفسهم في آن واحد، وحتى نكون أكثر دقة، إن هذه المجموعات تعمل على تكييف أنماط الفعل مع التغيرات الحاصلة فقد يتعارض أسلوبها مع أسلوب من سبقها، كما قد تهمل قيمها وتتبنى قيما حديثة بديلة عنها، ومن هنا تبدأ الفجوة بين جيل الآباء والأبناء بالاتساع حينا بعد حين، فكلما كانت محاولات التكيف أكثر رفضا لما عهده جيل الآباء كلما ازدادت الفجوة اتساعا.
في ضوء ما مضى نود الإشارة إلى أن اتساع الفجوة في البيئات التي تضم أجيالا متعددة هو مؤشر خطير، فاحتواء الفجوة في مثل هذه البيئات سواء المنزل أو العمل وغيرها... يجنبنا حدوث ما يطلق عليه متخصصو العلوم الاجتماعية بـ"صراع الأجيال" ويقصد به: الصراع الإيديولوجي الناتج عن ازدياد الفجوة الناشئة بين جيلين نتيجة التغيرات الكبرى أو الهيكلية في بنى المجتمع وأنظمته، كما تختلف حدة الصراع باتساع الفجوة وضيقها، فكلما كانت التغيرات القيمية تلامس الهوية كلما ازداد الصراع حدة وتوترا، مما قد يؤدي إلى خلل في التفاعل الاجتماعي، وذلك يعود إلى صعوبة وجود أرضية مشتركة بينهما.
نقفز إلى منحنى آخر حتى لا نطيل السرد العلمي وقبل أن نصل للختام نروي إحدى الطرائف في الصراع الجيلي، حيث كان يحكى أن مجموعة من المسنين أقدموا على الزواج من فتيات، وترك كل منهم مسنته خلفه أو زوجته الأولى إن صح التعبير، وقد كان من ضمن المسنين مهدي بن ظافر آل مهذل وأنشد ثلاثة أبيات قائلا:
يا نحمد الله يوم صار الحظ زين
الكل في الشيبان هنّا صاحبه
خذنا العذارى عاد حن مستنصرين
عز الله إن الكل كمل واجبه
يا بنت لا تهوى شبابٍ عاطلين
ما ينفعونك عند تالي العاقبة
بطريقة ما وصلت الأبيات إلى ابنه الشاعر/ محمد بن مهدي آل مهذل، فأجاب والده بسبعة عشر بيتا نكتفي بذكر البعض منها:
قالوا لنا الشيبان مخطين اجمعين
زماننا هذا تجنن شايبه
قد روسهم من رهفها مثل العجين
من طول ما عاشوا تراها ذايبه
وعادهم في ذا العذارى طامعين
يا ويل من صارت معاهم ناشبه
تجلس معه يومين من قلبٍ حزين
واليوم الآخر باتولي هاربه
وكل شايبٍ كون تشوفه شين
من كثر خبثه والردى اللي جايبه
وفي موضع آخر يكمل مخاطبا والده ومن معه مسنين:
ضموا عجايزكم وكونوا عاقلين
كلا عجوزه عند بابه زاهبه
تصلح الدله مع قرصٍ عجين
ولا هيب تمشي كود إذا هي راكبه
يابوي لا تزعل عجوزك كل حين
حافظ عليها لا تولي هاربه
إن ما يهمنا في الأبيات السابقة هو الفجوة القيمية ما بين الأب وابنه، فالأب سعيد بزواجه من فتاة شابة ولا يرى خطأ في ذلك، بل إنه استكثر المرور على من عاشت معه البدايات وفضل عيش ما تبقى من عمره مع أخرى، كما عبر في الأبيات عن فرحته بذلك إضافة إلى نصحه للفتيات بتجنب الزواج من الشباب لضيق أحوالهم، وعلى الجانب الآخر نلاحظ الابن يتخذ موقف المعارضة لوالده ومن معه إضافة إلى عتابه في زواجه وحثه على العودة وأن ما ارتكبه في حدود الجنون – على تعبير الشاعر – كما يذكره بفضائل والدته المتمثلة في القهوة والخبز.
الاختلاف القيمي والفجوة ما بين الجيلين وما عبرت عنه الأبيات السابقة وبوضوح ليس إلا صراعا جيليا في نظام الزواج، حيث يميل جيل الآباء في ذلك الوقت إلى التعددية بينما جيل الأبناء كان أكثر ميلا نحو الزواج الأحادي، وهذا جانب بسيط من جوانب الفجوة، ويمكننا ملاحظة جوانب أخرى في حياتنا اليومية وتفاعلاتنا مع الآخرين تعبر عن صراعات قيمية أخرى، فاليوم قد يميل أبناء الجيل الحالي في وقت كتابتنا لهذه الأسطر إلى العزوف عن الزواج من الأساس، فأعداد العازفين اليوم أخذت في الصعود أكثر مما مضى في مقابل انخفاض مستوى الخصوبة عالميا، بينما جيل الآباء اليوم يميل إلى الزواج الأحادي، فالتغيرات في النظم الاجتماعية مستمرة وتتشكل من وقت إلى آخر.
ختاما، إن ما ذكرناه سابقا قد لا ينطبق على الجميع إلا أننا متأكدون من وجوده لدى الشريحة الأعظم من البشر أو أنهم قد واجهوه مرة على الأقل، كما أن الصراع الجيلي ليس دائما سلبيا، فقد يكون إيجابيا من عدة نواحٍ ولعل أهمها أنه دافع يسرع من عملية التغيير المجتمعي وتبديل ما قد عفى عليه الزمن وتخشب بما هو حديث.
99MHMA@
0 تعليق