رحلة الدوادمي، بين فن وحجر

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رحلة الدوادمي، بين فن وحجر, اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 09:34 مساءً

الدوادمي محافظة من محافظات الرياض التي تبعد عنها حوالي 330 كم غربا في منتصف الطريق إلى مكة المكرمة. كانت وجهتنا الأسبوع الماضي لاثنتي عشرة عضوة من فريق دراجات الشروق Sunrise Riders بقيادة قائدة الفريق الدكتورة عواطف القنيبط، اللاتي عزمن على قبول دعوة آل القويز لممارسة رياضة أخرى غير ركوب الدراجة وهي تسلق الجبال والهايكنغ بقيادة الدكتور عبدالله القويز وتنسيق من زميلتنا وابنته الكابتن والاقتصادية سمراء القويز، رئيسة مجلس إدارة العربي كابيتال، في موقع جَبَلة الذي يبعد بدوره ساعة أخرى عن الدوادمي إلى الشمال الغربي منها. لكن كما في رحلاتنا الداخلية نحرص على أن نغتنم بزياراتنا الرياضية لنشاطات لاصفية، أو لا رياضية وفي حالة الدوادمي كانت نشاطا فنيا بامتياز. فقد زرنا في اليوم الأول أربعة استديوهات فنية لنحاتين، واحد منها لعدد من الفنانات والخامس كان متحفا لدرّاج الدوادمي الأشهر، فهد اليحيا.

والدوادمي منطقة خصبة تكثر فيها المراعي والغابات وكذلك التكوينات الصخرية والحجرية المتنوعة، حيث تقع ما بين الدرع العربي والرف العربي التي تتكون أجزاؤه من صخور نارية وبركانية أفرزت صخورا جرانيتية وديورايتية وبازلتية وغيرها من باطن الأرض. وهي التي تطبع لون الجبال بالأسود والأسمر والتشكيلات المتنوعة، لا سيما بشكلها الأملس في معظمها. والجزء الشرقي من الدوادمي يتكون من صحراء وسهول أبرزها نفود السر التي مررنا بها، وفي الجنوب الغربي تكثر المرتفعات الجبلية المتصلة وأشهرها سلسلة جبال ثهلان التي قام د. نايف القنور بدراسة رسومها الصخرية الممتدة عبر العصور الحجرية المختلفة، والتي تسبق العصور التاريخية والكتابة، حيث توثق رسوم أجداد أهل الدوادمي الحياة اليومية والبرية والطبيعية من خلال رسومات متنوعة التقنيات والموضوعات، تتوازى مع المواقع الأشولية كصَفّاقة الذي يعود للعصر الحجري القديم والوسيط منذ حوالي مئتي ألف سنة. وإلى الجنوب جبال ماسل الجمح التي تحمل الكتابات السبئية المهمة لملوك حمير الذين غزوا المنطقة في فترتين خلال القرنين الخامس والسادس الميلادي في محاولة للسيطرة على قبائل وسط الجزيرة وطريق تجارتها.

وانقسمنا إلى فريقين.. فريق يبدأ الرحلة من صباح الجمعة 18 أبريل 2025 لاستكشاف الدوادمي الفنية، والثاني يصل مساء لتلبية دعوة آل القويز على العشاء. فانطلق الفريق الأول ستة في سيارتين من الرياض، في الثامنة والنصف صباحا غربا إلى الدوادمي عن طريق ضرما: عواطف، فاطمة، إيمان، ريم وأنا وصديقتي طيبة إبراهيم أستاذة العلوم السياسية الكندية التي تزورني هذه الأيام. وفي الطريق الذي استغرق ثلاث ساعات ونصف، توقفنا بقطيع رايق من الإبل والنياق الوضاح أو الحضار (البيض) ترعى على النفود (نفود السر) المربع بعد الأمطار. فالتقطنا صورا فنية جميلة وتأملنا في عدد من الأحورة التي تلاحق أمهاتها وتتمسح بهن بكل حب، ونحن بدورنا نلاحقهم بجوالاتنا وكاميرا إيمان المحترفة.. أصغرهم لم يبلغ عشرة أيام من عمره. وأكملنا إلى الدوادمي. بدأنا بالفندق الهادئ والأنيق في وسط المدينة التي فاجأتنا بامتدادها ومرافقها، ثم انطلقنا لزيارة استوديو أول فنان، سعود الدريبي وأسرته، زوجته شماء وابنته أميرة التي تعمل مرشدة سياحية. وكانت زيارة ثرية جدا، فسعود لم يكن مجرد نحات وإنما بدأ كشاعر رقيق انعكست رهافته على قطعه الفنية، واستعرض معنا أعماله وتاريخها، التي امتدت شرقا من إندونيسيا وغربا إلى إيرلندا، ثم أتت ابنته وشرحت بعض أعماله، ومن ثم زوجته الخبيرة بدورها بكل أعمال زوجها، ثم أخذنا صورة جماعية وانطلقنا للاستديو التالي.

كانت مزرعة خالد العنقري، وبها أعماله ومعمله. أعمال غاية في الإتقان والجمال والتعبير عن أفكار معقدة، كثير منها يرتبط بالعلوم النفسية التي تخصص فيها وانعكست عمقا على فنه. ثم أدخلنا على معمله حيث يضع المنحوتات الخاصة، ومررنا في المزرعة على الأحجار التي جمعها من كل مكان في المملكة في صورتها الخام. وبينما نحن عنده وصل د. محمد وعزام القويز من المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر المستضيفة لنا في الغد، لكنه اقترح أن يأخذنا إلى موقع جميل قريب قبل زيارتنا التالية إلى منطقة صخور «الجعلان» ليعرفنا على ظاهرة طبيعية غريبة، فهناك استكشفنا أصواتا موسيقية تصدر من الصخور البركانية السوداء كلما طرقنا بحجر، مع اختلاف رنين كل صخرة عن الأخرى، فأرسلت فيديو لهذه الصخور الموسيقية إلى بيت العود حتى يفكروا في زيارة الموقع مع طلبتهم.

الغريب في هذه الزيارتين أننا وجدنا كلا الفنانين بكل إبداعهما وأوليتهما والتي تعود إلى السبعينات والثمانينات، لم يسبق لهما أن فازا بالمشاركة في ملتقى طويق للنحت، والذي أصبح يمثل إحدى العلامات البارزة في هذا الفن في المملكة، مما يطرح العديد من الأسئلة وقد كان أحد أسئلتنا البديهية التي وجهناها إليهما.

الزيارة الثالثة كانت لفهد اليحيا الدراج والرحالة الدوادميّ الأعجوبة، لمشاهدة متحفه الخاص بالدراجات، لكننا بقينا مسمّرين أمام حكاية قصته لمدة ساعتين ونحن ما نزال عند الباب، ثم جلسنا في المجلس بعد أن تعبنا وأكمل.. ثم أخذنا في زيارة خاصة لمتحف دراجاته الذي لم ينتهِ بعد. كانت حكايته مثيرة منذ طفولته المختلفة إلى أحلامه المستحيلة لقطع المسافات الطوال بالدراجة إلى فرنسا وبريطانيا وموسكو والخليج واليمن.. ليوصل رسائل سلام وتهانٍ وتضامن على دراجته منذ عام 1996. وانطلاقته كانت من خلال استضافته بالدراجة على مسرح شاعر المليون بأبوظبي عام 2006.

وبعد المغرب اتجهنا لنورة المهنا في ملتقى الإبداع والفنون، حيث التقينا بعدد من فنانات الدوادمي إحداهن كانت مشاعل اليحيا أخت فهد، وهي فنانة خط عربي. كما التقينا بالخزافة رشا محمد وعدد من الفنانات وتعرفنا على أعمال عدد منهن كسارة الطخيس التي لفتت أعمالها ولارا الحزم وغيرهن، وكان عددهن ربما يبلغ العشرة. والمركز يعرض أعمالا فنية لفنانات الدوادمي ويقدم ورشا فنية للكبار والصغار، ويشارك في كثير من الفعاليات. وودعناهن بعد صورة جماعية وهدية لكل واحدة منا باسمها مخطوطا بخط مشاعل.

وقد تأخرنا على عشاء بيت عم سمراء القويز وقد وصلت الدفعة الثانية من دراجات الشروق وسبقونا إلى دار العزيمة. بينما كان النحات علي الطخيس ما زال ينتظرنا، فزرناه على عجل والتقطنا صورة معه وأحد أعماله، وبقي آخرون لم يتسع الوقت لزيارتهم ووعدنا بزيارة قادمة، وانطلقنا إلى بيت أم عبدالرحمن القويز وكانت أمسية عامرة ببنات العم وبناتهن وأقربائهن، وأكرمونا غاية الإكرام.

ثم في نهاية الأمسية أهدتنا والدتهم أعمالا من يديها كالسمن والحناء والإقط والسدر والإثمد، حتى البيوز من صنع يديها فضلا عن تولة العود والمسك.

وودعناهن بالشكر ونحن في غاية الامتنان والترقب لرحلة ستبدأ غدا في الخامسة صباحا، والإرهاق أيضا، ولا سيما أني خضت هذه الرحلة ولم تمضِ سوى خمسة أيام على عملية أجريتُها في عيني رافقها نسيان أدويتي والمضاد الحيوي المتصل بها.. ولا ألوم سوى نفسي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق