نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في شعب جَبَلة، محمية الدوادمي الفريدة, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 03:32 صباحاً
تحركنا في أربع سيارات في الخامسة والربع ووصلنا متأخرين قليلا نظرا لتضييع بسيط في الدخول إلى محمية جبلة، لكننا وصلنا إلى المخيم وسط احتفالية لطيفة باستضافة: المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، مقهى DAWA، المطعم الصحي Fit Bit، مقهى قوافل البن، المصور فهد الرويس، وآل القويز ابتداء من الدكتور عبدالله القويز إلى الدكتور محمد القويز وسمراء القويز وأم عبدالرحمن القويز وبناتها.
تلا الإفطار الخفيف وتعبئة المياه في حقائبنا، التحرك بسيارات الدفع الرباعي إلى موقع أكثر قربا من نقطة الانطلاق، حيث لوحة درب وبها خريطة للموقع، وبعد الصورة الجماعية لأفرادنا الـ11 مع مستضيفينا والأستاذة بسمة، طالبة الدكتوراة وعضوة المركز ومصور الدرون، انطلقنا في السابعة صباحا باتجاه جبلة، ويقال له هضبة ويقال له جبل، وهو تكوين صخري بازلتي متعدد القمم فيما يعرف بالرؤوس.. ويصفها د.نايف القنور في كتابه «الرسوم الصخرية في سلسلة جبال ثهلان بمحافظة الدوادمي»، بأنها هضبة حمراء كبيرة تقع في الجهة الشمالية لمنطقة الدوادمي، وتمتاز بمنظر طبيعي جميل ومراعي طيبة ووفيرة الكلأ، ويحف بها وادي الرشا من الجنوب ثم ينعطف حولها من الشرق.
والهمداني يسميها «الحصاة» وجبلة هضبة عظيمة في شعب منها وقع يوم جبلة وهي كثيرة المياه. وارتبط بجبلة أحد أهم أيام العرب «يوم شعب جبلة» الذي يؤرخ بعام الفيل، أي حوالي 570م، وكانت واحدة من أعظم ثلاثة أيام العرب، يوم كلاب ربيعة، يوم ذي قار ويوم شعب جَبَلة. وكان يوم جبلة بين بني عامر بن صعصعة وحليفتها عبس متحصنة في جبلة بقيادة الأحوص بن جعفر الكلابي العامري، وبين تميم ومن جمعت من أحلاف من بني مرة، وغطفان، وفزارة ذبيان وأسد وهذيل وكندة وطيء بقيادة لقيط بن زرارة. وتورد كتب التاريخ تفاصيل كثيرة في أمر ما أوصل إلى هذا اليوم ثم الخدعة الحربية التي وقعت في الشعب حتى انتصر بنو عامر بتعطيش إبلها وربطهم بالحجارة وإطلاقهم على تميم وأحلافها في منتصف الجبل فتحولت إلى مدرعات سحقتهم عن بكرة أبيهم. وتبرز في هذه القصة شخصية دخنتوس بنت لقيط سيد تميم، التي كانت حكيمة وشاعرة مجيدة في الهجو والرثاء والمديح، وكان أبوها يأخذ برأيها في كل حروبه إلا في يوم شعب جبلة فاستحمقها وقتل. قصة تُذكرنا بزرقاء اليمامة.
وعودة إلى يوم جَبَلتنا من الأسبوع الماضي، أشيد بالجو الذي كان جميلا والحرارة لا تتجاوز 21 درجة، ولم تتعد 26 بوصولنا إلى الساعة 11 صباحا ونسمة عليلة في الأعالي، لكن بالوصول إلى منتصف النهار وحتى الواحدة ظهرا كانت الحرارة قد اشتدت ودخلنا على الثلاثينات.
كان الطريق في بدايته متعدد المستويات نصعد ونهبط ثم نجد ساقي ماء في الطريق، وهكذا حتى وصلنا سفح الجبل ولوحة مكتوب عليها «للمحترفين فقط»، وبدأ الصعود يشتد، شيء على صخور وشيء على جبل أملس نختبر فعالية أحذية الهايكنغ عليه والجاذبية من جانب آخر. وبين بعض الأماكن نجد مغارات جميلة كمفاجآت في وسط الصخور الصلدة، يقودنا في ذلك الدكتور عبدالله القويز الذي كان حريصا على توجيهنا باتجاه العلامات التي وضعتها جمعية درب للمسارات ورحلات المشي، شرطتان بنية وبيج، نبحث عنها في كل مكان وتقودنا صعودا. الطريق كان مختلفا عن أي مسار هايكنغ مشيناه، ذلك أن كل خطوة كانت تتطلب أن نبحث عن أفضل السبل لتجاوز الصخرة أمامنا والطريق ما بعدها. وكانت هناك أماكن يصعب عبورها وأخرى نحتاج لمساعدة بعضنا بعضا فيها. حتى وصلنا ما أشبه بالقمة لكنها لم تكن القمة، وإذ بنا بدأنا بالنزول لكن بعد فترة وجدنا علامة تقول إن القمة بهذا الاتجاه وعلى بعد 3 كم.
كان رأي أبو طه أن لا نعود من حيث أتينا نظرا لصعوبة الطريق، ونصح باتخاذ الطريق الشمالي عوضا عن العودة جنوبا.. لكن لسبب يتعلق بلوحة في نهاية هذا المسار تنصح بالاتجاه إما إلى وادي مواجهة أو قليتة دون تحديد ما إن كان هذا يمينا أو شمالا أو إذا كان شرقا أو غربا، وهذه كانت من النقاط التي ستستدركها درب في المستقبل لتكثر من لوحات الخرائط مع موقعنا عليها، فانتهى بنا الأمر إلى اتخاذ الطريق الشرقي الذي كان يجب تجنبه لصعوبة وخطورة مساره المسدود بالصخور الضخمة والمنحدرات غير الواضحة فضلا عن بركة ماء في وسطه. فكانت فترة تحدٍ لقدراتنا تمكنّا على إثر ساعتين ونصف على الأقل بعد تسلق وهبوط وزحف وكل منا في اتجاه وحسب قدرتها على تحسس الطريق، فيما بينها تعلق أبو طه بحبل ربطه بصخرة وتلمس طريقه نزولا ونحن مندهشات من حضوره البدني والفكري الملهم لشخص في السادسة والثمانين من العمر، ربنا يعطيه الصحة والعافية ويرزقنا مما رزقه ويبلغنا هذا العمر بهذه الصحة. فتبعناه فيما استطعنا القيام به وتمكنا أخيرا من قطع وادي مواجهة والوصول إلى السيارات، وانتهى المسار بنا في الساعة الواحدة والنصف وكلنا ممتنين للدكتور محمد القويز الذي استقبلنا بقوارير الماء الباردة.
وبعدها اتجهنا إلى الخيمة ومنها إلى الفندق لنجد أننا تأخرنا على مضيفينا الذين كانوا معدين دعوة غداء لنا منذ الواحدة.. فأخذ الطريق ساعة وبعده ساعة أخرى، وصلنا الاستراحة الشعبية لآل القويز في الرابعة، والكل كالعادة محتفٍ بنا وقد وصلتهم أخبار تأخرنا. وكانت وليمة كريمة، ذبيحة من مزرعتهم وأطباق شعبية فنانة، ثم زيارة لمتحف المنصور التراثي. ولم نغادر إلا وكل واحدة تحمل في يدها جالون لبن من المزرعة، كما في اليوم السابق، أطايب الريف، فبارك الله لهم جميعا.. كانت المسافة التي قطعناها تتراوح بين 4 إلى 5 كم، بارتفاع 1300م، في ست ساعات ونصف. ووصلنا الرياض مساء ومشاعرنا مزدحمة بالحماس والتجربة الاستثنائية والشعور بالفخر باستكشاف ربوع بلادنا، وحمدا لله على سلامة الجميع.
0 تعليق