القطاع غير الربحي ودعم التخصص

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القطاع غير الربحي ودعم التخصص, اليوم الخميس 6 مارس 2025 01:26 صباحاً

تتأثر رحلة نجاح الإنسان في تخصصه الحياتي بسؤالين جوهريين.. السؤال الأول هو سؤال الاكتشاف.

والذي يحاول الإجابة عن واقع خارطة التخصصات..، أي: ما التخصصات الموجودة في حياة الناس اليوم؟ وأي من هذه التخصصات هو الأكثر حضورا وتأثيرا؟ وما التخصصات التي اضمحل تأثيرها وهي متجهة إلى الاندثار؟ وما التخصصات التي وُلدت حديثا، ويُتوقع لها انتشار وتأثير وازدهار في المستقبل؟

وأيضا في السياق نفسه هذا السؤال الأول، وعلى مستوى أعمق؛ ماذا يوجد داخل كل تخصص؟ وما الذي يتكون منه هذا التخصص؟ وما المعارف التي يدور في حماها؟ وما امتداداته وتقاطعاته مع غيره من التخصصات؟ وما تطبيقاته في أرض الواقع؟ وهكذا؟

هذا هو السؤال الأول، سؤال الاكتشاف. وهو سؤال يبحث بنظرة استقصائية جامعة واسعة تعدادية حاصرة عن قائمة التخصصات المتاحة، ومن ثم ماذا يوجد في داخل كل تخصص.

السؤال الثاني الذي يرافق رحلة التخصص في حياة الإنسان، هو سؤال النمو.
وهو سؤال لاحق وتابع للسؤال الأول، حيث ينبعث على افتراض أن الإنسان استطاع بعد خوض رحلة بحث كافية أن يتحصل على معرفة عميقة بواقع التخصصات واستطاع بناء عليها أن يحدد تخصصه.

فحينئذٍ هذا يأتي السؤال الذي يتمحور حول فكرة أساسية هي: كيف يمكن للإنسان أن ينمو داخل هذا التخصص؟ وكيف يستطيع أن يطور قدراته؟ ويوسع من تجاربه؟ ويكتسب الخبرات؟ ويزيد من معارفه؟ ويعمق من حضوره وتأثيره في هذا التخصص؟ وكيف يمكن أن يكون أحد أيقونات هذا التخصص وأحد المبرزين والمقدمين فيه؟..

وهذا هو المفهوم البدهي المنطقي الواقعي الصحيح، إذ إن النجاح لا ينتج من مجرد عثور الإنسان على مسار تخصصه، بل على السير والتقدم على مساره التخصصي والتمكن منه للتقدم فيه.

إذن، فهذان هما السؤالان الجوهريان؛ سؤال الاكتشاف، وسؤال النمو.
والحقيقة أن الإجابة على هذين السؤالين، تتطلب من الإنسان القيام أيضا بعمليتين أساسيتين، هما البحث والممارسة.

عملية البحث تتجه لسبر التخصصات بشكل عام وتفصيلي للوصول لإجابة سؤال الاكتشاف، والممارسة التطبيقية المباشرة للإجابة على سؤال النمو.

وهذا البحث المطلوب يتم من خلال الاطلاع والقراءة في رحاب التخصص، والاحتكاك والنقاش مع منسوبيه والعاملين في مجالاته، والمشاهدة والمعايشة لأعمالهم ومهامهم وأدوارهم، وكيف يؤثر ويتأثر هذا التخصص في الواقع بغيره من المجالات.

والأمر هو نفسه في ما يتعلق بعملية الممارسة المرتبطة بسؤال النمو، حيث يعتمد على المباشرة للأعمال، وأداء المهام وتنفيذ المشاريع والمشاركة في التفكير والتخطيط والمتابعة والإشراف والتقييم لها، مع المصاحبة لأصحاب الخبرة والتمكن، والحضور والتفاعل مع مجريات هذا المجال، ومطالعة منتجات وأعمال الفاعلين فيه، والوقوف على المنتجات والخدمات والمشاريع النوعية في المجال.. مع التركيز على التعلم النظري والتدريب المتخصص.

وهاتان العمليتان، ترتبطان بشكل مباشر ووثيق بالإتاحة، فما مدى إتاحة التعرف على التخصصات وعلى ما تحتويه في داخلها، وأيضا على الإتاحة في تطوير الإنسان لملكاته وخوضه للتجارب.

وكما هو معلوم ولا يخفى بأن الإتاحة لها ثمن، ولها متطلبات.
فالإتاحة للإنسان للقيام بعملية البحث التي ستؤدي به للاكتشاف لها ثمنها من حيث الوقت المطلوب للقيام برحلة البحث، والحصول على المعلومات عن التخصصات والتعرف عليها عن كثب، وما إلى ذلك مما هو غير متاح لكل أحد، وخصوصا لمن هم غير مخولين بالقيام بالاطلاع على المجالات أو الوصول للمعلومات عنها.

ومثل ذلك يقال عن الإتاحة لعملية الممارسة التي هي سبب للنمو والترقي والتطور والتمكن في المجال، فهي بحاجة إلى تدريب، وإلى تعلم، وتطبيق وتعاطٍ مباشر واجتهاد واشتغال ومزاولة ومعالجة حثيثة، الأمر الذي لا يتاح بالضرورة لكل أحد ولا يتأتى لكل محاول.

وهنا يكمن التحدي لدى التواقين للنجاح في تخصصاتهم في الحصول على فرصة الإتاحة. خصوصا الموظفين الذين يرتبطون بعبء وظيفتهم وشروط وقيود منظماتهم التي قد لا تتسق مع مسارهم التخصصي الحياتي، وفي ظل نظرة المنظمات لمفهوم الإتاحة الذي ترى فيه هدرا كبيرا وإرهاقا لها من غير طائل.

وبالتالي ستفتش عن من تجاوز هذا التحدي، وحدد مساره على الأقل بما يتوافق مع مساراتها، وبدأ في بناء شيء من قدراته، ثم هي تستكمل معه بقية الرحلة.

والأمر كذلك هو نفسه فيمن لا يرتبط بوظيفة من الأصل، فلا مجال متاح له للبحث أو الممارسة بشكل أكبر.

فما الحل أمام الأعداد الغفيرة التي لا منظمات تساعدها ولا ممكنات تعينها على تحقيق مطلوبها لصناعة نجاح في تخصصها الحياتي.

الحقيقة أن ثمة ميدانا يمثل فرصة كبيرة تساعد في الإجابة عن هذين السؤالين الكبيرين. فهذا الميدان لا يمانع في الاكتشاف، بل هو معزز لفكرة اكتشاف الإنسان للتخصصات والمجالات من خلال الاطلاع والمعايشة والدخول في أي منها بغرض الاكتشاف. وفي الوقت نفسه، ليس لدى هذا الميدان مانع أو قيد على المشاركة في مزاولة تنفيذ الأعمال التي من شأنها أن تعود بالنمو والتطور لأصحاب التخصصات..!!

هذا الميدان هو ميدان القطاع غير الربحي بمنظماتهم ومنظوماته وروابطه ومبادراته وفعالياته، سواء عبر المشاركة في تنفيذ أعماله أو الانضمام لمنظماته، إن كان بالعمل فيها أو التعاون معها أو المشاركة ضمن فعالياتها ومبادرتها، أيا كانت صور المشاركة.

ذلك أن القطاع غير الربحي يمتاز بميزتين فارقتين تجعله قادرا على الإتاحة، وهما:

ميزة تنوع واختلاف واتساع مجالات العمل في منظماته، التي باتت شاملة لكل مجالات الاحتياجات الإنسانية، سواء في المجال الصحي أو التعليمي أو الاجتماعي أو التقني أو الرياضي أو التربوي أو القيمي أو غيرها من المجالات، التي ستحتوي وتغطي مسارات المتخصصين أيا كانت، مما يعني مساحة واسعة في المجالات القابلة للتعرف والاطلاع والاكتشاف، وبالتالي ستنعكس بتخفيف ضبابية هذا المجال على الراغب في تحديد تخصصه، وتوفير مساحات استيعاب وتطوير شتى المتخصصين وإيجاد مواطن لتطوير قدراتهم ونموهم في تخصصاتهم.

والميزة الأخرى لدى القطاع غير الربحي هي ميزة التشاركية مع المجتمع وأفراده، واعتماده على الإسهام المجتمعي بشكل أساسي واستناده على الكوادر المتطوعة والمتعاونة معه في تدخلاته وأدواره كافة. فالمنظمات غير الربحية اليوم تجتذب المختصين للعمل معها وتعتمد بشكل رئيس على قرب المختصين منها وتعاونهم معها. وبالتالي، فهي أشبه بالمنصة التي يلتقي فيها المختصون في مجالهم. وبالتالي ستكون فرصة الدخول في أي منظمة من هذه المنظمات، واكتشاف مجال عملها، والتعرف على مجالها ومقابلة الخبراء فيه وسؤالهم والنقاش معهم والاطلاع على ممارساتها متاحة لمن يرغب بذلك.

والقطاع غير الربحي بمنظماته أيضا يتيح المساهمة في تنفيذ المبادرات، وتقديم الخدمات والمشاركة في البرامج والأنشطة التي تقدمها منظماته أيا كانت. وهو ما يمنح المتخصص الراغب في تطوير قدراته فرصة ذهبية لتطوير المهارات على اختلافها الفنية أو الإنسانية أو الإدارية، التي قد لا يجد فرصة لبنائها وتطويرها في منظمته التي يعمل فيها بشكل رسمي لو كان لديه عمل، بينما الأمر متاح في المنظمة غير الربحية التي تتيح التطوع والمشاركة والتفاعل المجتمعي في تقديم خدماتها وبرامجها.

من هنا؟ نرى أن القطاع غير الربحي بهذه الخصيصة فيه، خصيصة الإتاحة، وبميزتيه التنوع والتشاركية؛ يمثل حلا لمعضلة سؤال الاكتشاف وسؤال النمو. وبالتالي، فالقطاع غير الربحي هو أحد الروافد الرئيسية للتوجيه الصحيح، والإرشاد الفعال في اختيار التخصص، وهو أيضا أحد الممكنات الجوهرية في بناء قدرات المتخصصين وتطوير أدائهم المهني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق