واشنطن - أ ف ب
رغم أن عودته إلى البيت الأبيض لم يمرّ عليها سوى بضعة أسابيع، أحدث دونالد ترامب تبدلات كبرى في النظام الجيوسياسي العالمي، بأسلوبه الصادم الذي لا يعرف محرّمات، ومواقفه البعيدة عن الدبلوماسية التي تقلق الحلفاء قبل الخصوم.
وسلّطت المشادة الصاعقة التي تواجه فيها ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمام كاميرات العالم، الضوء على هذا الوضع الجديد في الدبلوماسية الأمريكية التي تطغى عليها النزعة الفردية إلى حد كبير.
وأمر ترامب الاثنين، بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بعد انتقاده رئيسها، متهماً إياه بالتقليل من احترام الولايات المتحدة، وعدم الامتنان لجهودها لإنهاء الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
وقال ترامب لزيلينسكي: «ليست لديك أي أوراق الآن».
وسواء في ما يتعلق بغرينلاند، الجزيرة الدنماركية الشاسعة التي يريد الاستيلاء عليها، أو بقناة بنما أو بفرضه تعرفات جمركية في كل الاتجاهات، يُظهر ترامب بوضوح ميله إلى إعلاء مصالحه على مصالح أصدقائه، وهو لا يخفي ذلك بتاتاً.
ويتّهم ترامب حلفاء أمريكا في الحلف الأطلسي باستغلال بلاده، كما يرى أن الاتحاد الأوروبي بمؤسساته وآلياته التنفيذية يهدف قبل كل شيء إلى «خداع» الولايات المتحدة.
- «زعيم جديد»
وقال ترامب الأسبوع الماضي في مؤتمر صحفي إلى جانب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون: «إدارتي تقوم بقطيعة حاسمة مع قيم السياسة الخارجية المتعلقة بالإدارة السابقة، وبصراحة، مع الماضي».كما أن التخفيضات الجذرية في مساعدات التنمية الخارجية خير دليل على هذا التوجّه.
وعلى عكس ترامب، كان سلفه الديمقراطي جو بايدن يتباهى باللعب على وتر التعددية، مع إعطاء الأولوية للدفاع عن الديمقراطيات والتحالفات التي كان يُنظر إليها على أنها عوامل تضاعف النفوذ الأمريكي في العالم.
ويرى ماكس بيرغمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن «السياسة الخارجية لم تعد لها أي علاقة باحترام الولايات المتحدة لهذه القيم».
وتابع: «أعتقد أن هذا تغيير عميق للغاية في النظام العالمي الدولي».
من هنا، لا تُستغرب دعوة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بلده إلى أن تحذو حذو روسيا والصين، من خلال متابعة مصالحها الخاصة أولاً قبل مصالح الآخرين.
وبعد فشل اجتماع البيت الأبيض، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس:«أصبح من الواضح أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد».
- التوتر في تايوان
ويواصل تحوّل ترامب باتجاه روسيا، والذي تجلى في المكالمة الهاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 فبراير/شباط، إحداث صدمة في أوروبا وخارجها، من دول البلطيق إلى تايوان، ما يوفر «انفتاحاً حقيقياً» على الصين، وفق بيرغمان.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة حاولت إقناع الدول، بعدم إبرام اتفاقات منفصلة مع الصين، بحجة عدم إمكان الوثوق بها.
ويلفت الخبير إلى أن «الولايات المتحدة تغيّر الآن موقفها بشكل كامل، وتتوقف عن دعم أي نظام ديمقراطي في حالة حرب».
وزادت الصين في السنوات الأخيرة من نشر طائراتها الحربية، وسفنها حول تايوان التي تعتبرها جزءاً من أراضيها. ولم تستبعد بكين استخدام القوة لفرض سيطرتها. لكنّ ترامب يتهرّب من التعليق على الدعم المحتمل لتايوان في حال وقوع غزو صيني، رغم قوله الاثنين إن غزواً مماثلاً سيكون «حدثاً كارثياً».
وتقول بوني غلايسر التي تدير برنامج منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مركز «جرمان مارشال فاند» للأبحاث في واشنطن، إن «تايوان لديها أسباب كافية لتشعر بالتوتر».
وعلى النقيض من أوكرانيا التي تحظى بدعم أوروبا، تعتمد تايوان على واشنطن بشكل شبه حصري في الحصول على أسلحتها. لكن، بحسب غلايسر، فإن الرهانات الاقتصادية تغيّر المعادلة، إذ إنّ تايوان تحتل الصدارة على قائمة الدول الأكثر تصنيعاً للرقائق الإلكترونية.
وفي موقف يتماهى مع كلمات ترامب في حديثه إلى زيلينسكي، تقول غلايسر: «تايوان لديها أوراق لتلعبها».
ويقول أستاذ العلوم السياسية في «أمريكن يونيفرسيتي» جوشوا روفنر، إن حالة عدم اليقين تشكل جزءاً من استراتيجية ترامب.
وأضاف:«هناك ألف طريقة لتفسير ما يقوله. لكن ما يهم حقاً هو ما يفعله في نهاية المطاف بالقوات الأمريكية».
0 تعليق