نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الألقاب الأكاديمية ومعايير الترقية في الجامعات ذات الموارد البحثية المحدودة, اليوم الاثنين 10 فبراير 2025 11:18 مساءً
تقسّم الجامعات تقليديا بناء على تركيزها على التدريس، أو البحث، مع تميز بعض الجامعات في كليهما. هناك الكثير من جامعاتنا تركز على التدريس، وتفتقر إلى البنية التحتية لإجراء البحث العلمي، مثل: المختبرات، والمعامل وما تشمله من الأجهزة والمعدات، وبرامج الدراسات العليا التي تشمل طلابا باحثين، كما تفتقر إلى التمويل الكافي لإجراء البحوث، وهنا تبرز مشكلة متزايدة عندما تطالب تلك الجامعات بإنتاج أبحاث كشرطٍ للترقية الأكاديمية مشابهة لما تعكسه معايير الجامعات البحثية. هذا التناقض يؤدي إلى ضياع استراتيجي وتحديات منهجية ومخاوف أخلاقية وسلوكيات غير مهنية.
هذا التناقض بين الواقع والمأمول يخلق بيئة يواجه فيها أعضاء هيئة التدريس ضغوطا كبيرة لتلبية توقعات غير واقعية. وبالنسبة للبعض، يدفعهم نقص الموارد إلى اللجوء إلى ممارسات مشبوهة، مثل: السرقة العلمية، وتزوير البيانات، أو النشر في مجلات ضعيفة نظرا لضعف التمويل وضيق الوقت، كما يلجأ البعض إلى النشر في مجلات تنشر مقابل المال دون تحكيم دقيق. وكذلك إساءة استخدام التأليف المشترك - وهي ظاهرة منتشرة - من خلال التعاون في أبحاث مقابل إدراج الاسم كمؤلف مشارك دون تقديم إسهامات حقيقية ولكن فقط لتلبية متطلبات الترقية والحصول على مكافأة التميز. لذا أتساءل: ما الفائدة المرجوة من ذلك؟ وهل هذا يخدم خططنا الوطنية؟ وهل يجب أن تكون كل جامعتنا لها رؤية واحدة ونهج واحد؟
من هذا المنطلق الاستراتيجي أرى أهمية تقسيم جامعاتنا، ليكون تركيز البعض منها على البحث، والبقية - وهي الأغلب - على الجودة والتميز في التدريس من خلال إعداد الخريجين بشكل جيد، وتمكينهم من المهارات المطلوبة في سوق العمل، وقد يكونون وقودا للجامعات البحثية لمن أراد إكمال دراسته لاحقا. بالنسبة لهذه الجامعات، ينبغي عليها إعادة ضبط أنظمة الترقية الخاصة بها لتعكس رسالتها ومواردها. يمكن أن تركز معايير الترقية على جودة التدريس من خلال تقييم الأساليب التعليمية المبتكرة، وتصميم المقررات والاختبارات لتكون مقاربة لما يحتاجه السوق، وتقييم الطلاب (مع تحفظي عليها)، والإشراف على المشاريع الطلابية، وخدمة الجامعة إداريا، وكذلك أنشطة الخدمة والتوعية المجتمعية من خلال البرامج المجتمعية، وكذلك التطوير المهني من خلال تشجيع أعضاء هيئة التدريس على حضور ورش العمل والمؤتمرات وبرامج التدريب التي تعزز من فعالية التدريس.. إلخ؛ وكل هذا بدوره لن يقلل فقط من السلوكيات غير الأخلاقية؛ بل سيعزز أيضا من سمعة الجامعة كمركز للتعليم عالي الجودة.
ولمواءمة الألقاب مع هذه الأدوار، يجب على الجامعات تبني نموذج مشابه لبعض دول العالم، حيث يُسمى أعضاء هيئة التدريس: مُحاضرا، أو محاضرا أول، أو محاضرا رئيسيا، أو أستاذا ممارسا.. إلخ، بدلا من استخدام ألقاب مثل: أستاذ مساعد، أو أستاذ مشارك، أو أستاذ، التي توحي بالتركيز على البحث. هذا التمييز يمنع سوء التفسير، ويضمن تقييم أعضاء هيئة التدريس ومكافأتهم بناء على إسهاماتهم الفعلية.
وفي الختام: يجب أن تتماشى معايير الترقية الأكاديمية مع رسالة المؤسسة ومواردها وأولوياتها. بالنسبة للجامعات التي تفتقر إلى البنية التحتية الداعمة للبحث، فإن مطالبة أعضاء هيئة التدريس بإنتاج أبحاث أمرٌ غير عادل وغير عملي. من خلال إعادة تعريف الألقاب الأكاديمية ومعايير الترقية لتعكس نموذجا يركز على التدريس، يمكن لهذه المؤسسات تعزيز الممارسات الأخلاقية، وتقليل الضغوط غير الضرورية، وضمان تقدير أعضاء هيئة التدريس بناء على إسهاماتهم الحقيقية. ينبغي أن يكون الهدف هو خلق بيئة أكاديمية تمكِّن أعضاء هيئة التدريس من التفوق في أدوارهم، سواء كانوا معلمين أو باحثين أو مزيجا من الاثنين. لقد حان الوقت لتبني التنوع في الأوساط الأكاديمية والابتعاد عن نهج واحد يناسب الجميع.
0 تعليق