نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شعبية الرئيس الفرنسي على المحك, اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 12:33 صباحاً
وأكد استطلاع الرأي الجديد الذي أعدته مؤسسة «إيفوب» لصالح صحيفة «جورنال دو ديمانش»، تراجع شعبية الرئيس ماكرون، حيث إن 35% من المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن عدم رضاهم عن أدائه، و44% عن عدم رضاهم الشديد، أي ما نسبته 79% من الذين شملهم الاستطلاع، في حين أن استطلاعا سابقا جرى في شهر ديسمبر الماضي كشف أن شعبية ماكرون انخفضت بنسبة 10% بين كبار السن والمتقاعدين الذين يشكلون عادة قاعدته الانتخابية.
وبالرغم من أن كثيرا من الدراسات واستطلاعات الرأي بشكل عام لا تعبر عن الواقع بنسبة 100%، فإن استطلاع مؤسسة «إيفوب»، يعكس واقعا ملموسا تعيشه الأوساط السياسية الفرنسية في ظل السيف الذي ما زالت أحزاب المعارضة تسلطه على أي تحركات تقوم بها الحكومات الفرنسية المتتابعة، ولعل آخرها ما جرى قبل أسبوعين من انتقادات طالت رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرنسوا بايرو، على خلفية تصريحاته عن وجود شعور متزايد بأن المهاجرين يغرقون فرنسا.
وعند الحديث عن تراجع شعبية الرئيس الفرنسي بشكل عام، هناك 3 أسباب رئيسية ينبغي الأخذ بها لمعرفة واقع الحال، أولها الأزمات السياسية المتتالية، فمنذ قرار ماكرون بحل الجمعية الوطنية في يونيو 2024م، دخلت فرنسا في دوامة من عدم الاستقرار السياسي، وتزامن ذلك مع ما شهدته فرنسا من تشكيل أربع حكومات في عام ونصف، مما أدى إلى زعزعة الثقة في قيادة الرئيس للدولة.
أما السبب الثاني فيتمثل في القرارات الاقتصادية المثيرة للجدل، مثل محاولات تمرير ميزانية 2025 التي تضمنت تخفيضات في الإنفاق وزيادات ضريبية، التي بسببها تم حجب الثقة عن حكومة ميشيل بارنييه، التي لم تكمل حتى 90 يوما من العمل، بعد أن أثارت محاولاتها تلك استياء شعبيا واسعا، خاصة بين الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديا، فيما يكمن السبب الثالث في التوترات مع المعارضة، إذ إن إصرار ماكرون على تعيين شخصيات من اليمين في مناصب حكومية، مثل ميشيل بارنييه وفرانسوا بايرو، أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والاتهامات بسرقة نتائج الانتخابات التشريعية، مما زاد من حدة الانقسامات السياسية.
ويزيد من ذلك حالة عدم التوافق في المشهد البرلماني الفرنسي، إذ يكفي أن انقسام الجمعية الوطنية بين 3 كتل لا يمكن التوفيق بينها وهي تحالف يساري، ووسط متقلص يدعم ماكرون، ومجموعة قومية موسعة بقيادة لوبان، ما زال يرمي بسهامه على أداء أي حكومة يشكلها ماكرون، مما أدى بطبيعة الحال إلى زعزعة استقرار أي الحكومة، حيث فشل الرئيس في الحصول على دعم برلماني كاف، مما أسفر عن سقوط حكومات متتالية، وهذا الوضع أضعف قدرة الحكومة على تنفيذ سياساتها وأدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية.
وبالتالي فإن التراجع في شعبية ماكرون يفتح المجال من جديد أمام الأحزاب المعارضة، سواء من اليمين المتطرف أو اليسار المتشدد، لتعزيز نفوذها ومهاجمة سياساته، وهذا التصاعد في قوة المعارضة يهدد بزيادة الانقسامات المجتمعية ويؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي، خاصة مع تزايد العجز في الميزانية وتصاعد الديون.
إن هذه التحديات جعلت الرئيس إيمانويل ماكرون وفريقه أمام صعوبات متزايدة في تمرير أي سياسات جديدة، لا سيما مع احتمالية استمرار الاحتجاجات وتزايد الضغوط للدفع به لتقديم استقالته قبل نهاية فترة رئاسته في عام 2027م، وهو ما يفرض على ماكرون اتخاذ خطوات جريئة لإعادة بناء الثقة.
لكن هل سينجح ماكرون في مواجهة هذا الطوفان الهائل من الاحتجاجات والانتقادات، التي لا تهدأ أبدا، وهل سيستفيد من الحلول المتاحة أمامه اليوم مثل تعزيز الحوار مع المعارضة وفتح قنوات تواصل فعالة مع مختلف الأطياف السياسية للعمل على تحقيق توافق وطني، وكيف له أن يقنع المعارضة بما يقوم به من مراجعة لسياساته الاقتصادية لتبني توجهات جديدة تدعم الفئات الأكثر تضررا وتعزز العدالة الاجتماعية.
يبدو أن رئاسة ماكرون أصبحت على المحك، فخيارات مثل إعادة هيكلة الحكومة وتشكيل أخرى جديدة تضم شخصيات من مختلف التوجهات السياسية لاستعادة ثقة الشعب الفرنسي والحفاظ على استقرار حكومته خلال الفترة المتبقية من رئاسته، لم تعد ذات جدوى في ظل فشل 3 حكومات سابقة، وما تواجهه حكومته الرابعة اليوم من انتقادات متتالية في ظل انقسام برلماني، وتراجع في شعبية الرئيس، وأوضاع اقتصادية متأرجحة.
وامتدادا لذلك، فإن نجاح ماكرون في إعادة هيكلة الحكومة الحالية يتطلب تغييرات جوهرية في النهج السياسي، فالتعديلات الشكلية قد لا تكون كافية لاستعادة الاستقرار، لذا ينبغي التركيز على بناء تحالفات قوية مع جميع الأحزاب وتقديم سياسات تعكس تطلعات المواطنين، إذ إن التغييرات المتكررة في الحكومات دون تحقيق نتائج ملموسة ستؤدي إلى مزيد من عدم الثقة وعدم الاستقرار داخليا، أما خارجيا فسيؤدي ذلك إلى عدم قدرة فرنسا في تقليص تعاونها لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك سياسة المناخ والتزامات حلف شمال الأطلسي، وربما يدفع ذلك إلى فراغ قيادي في الاتحاد الأوروبي، ويوتر علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية.
0 تعليق