د. أيمن سمير
كشف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، خلال لقائه الأول مع حكام الولايات الجمهوريين، أنه بدأ بالفعل التحضيرات للقمة التي سوف تجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأبدت سويسرا من جانبها استعدادها لاستضافة هذه القمة التي ستكون «قمة تاريخية»، ليس فقط لأنها أول قمة بين زعيمي الدولتين منذ «القمة الوحيدة» التي جمعت بوتين مع الرئيس الحالي جو بايدن، والتي كانت بجنيف السويسرية في 16 يونيو 2021، بل لأن العالم كله ينتظر ما سوف تسفر عنه «القمة المقبلة» بين ترامب وبوتين، والتي تهدف إلى إنهاء القطيعة وحالة الحرب «غير الرسمية» بين أكبر قوتين عسكريتين في العالم، فكثيراً ما يتهم الكرملين إدارة جو بايدن الحالية بأنها تشارك عملياً في الحرب على بلاده عبر دعمها المطلق وغير المشروط لأوكرانيا، وهو الأمر الذي دفع مسؤولين روساً كباراً، مثل الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيدف، للتهديد باستخدام السلاح النووي للدفاع عن أراضيهم وقواتهم.
حال الاتفاق على شروط ومكان عقد القمة الجديدة، فستكون «القمة الثانية» التي تجمع بوتين وترامب بعد قمتهما الشهيرة في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 يوليو 2018، والتي اتهم بعدها الديمقراطيون الرئيس دونالد ترامب بأنه تنازل لصديقه الرئيس بوتين في قضايا كثيرة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، وتتسق التحضيرات الجارية للقمة الروسية الأمريكية مع الترحيب العلني الذي أبداه في ديسمبر الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاجتماع مع الرئيس الجمهوري المنتخب، كما يتسق كل هذا مع رغبة الرئيس ترامب في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تعهد بإنهائها خلال 24 ساعة فقط.
ولن تكون أوراق الحرب الروسية الأوكرانية فقط في حقائب الزعيمين الأمريكي والروسي عندما يتوجهان للقمة، بل يستعد الفريقان لوضع الكثير من الملفات على طاولة القمة التي ينتظرها الجميع في كل دول العالم، فالاستقرار العالمي تعرّض لضربة غير مسبوقة خلال السنوات الأربع الماضية، كما أن التحرر من قيود إنتاج ونشر واستخدام السلاح بات خطراً على البشرية، ولهذا ينادي بعضهم بأن تأخذ القمة المقبلة أكثر من يوم وأكثر من جلسة لوضع «أساسات جديدة» للاستقرار العالمي، وهي الأساسات التي اهتزت كثيراً منذ خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض في 20 يناير 2021 بفعل انهيار الثقة بين واشنطن وموسكو، ودخول الطرفين مع حلفائها الآخرين في سباق تسلح تقليدي ونووي، وكادت البشرية تنزلق لحروب عالمية تقليدية ونووية، عندما وقف الطرفان على «حافة الهاوية» بداية من أوكرانيا وشرق أوروبا، مروراً بالبحر الأسود وبحر البلطيق، ووصولاً إلى القطب الشمالي وبحر الشمال، فما هي الملفات التي سوف تكون على طاولة البحث بين بوتين وترامب خلال قمتهما الثانية؟ وهل يمكن أن تخرج القمة برؤية أمريكية روسية لحل المشاكل العالقة بينهما في الكثير من أقاليم العالم المختلفة؟
كسر الجليد
يفتخر أنصار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بأن رئيسهم قادر على «كسر الجليد» في العلاقة التي سادت بين الشرق والغرب، وأن فوز كامالا هاريس كان يعني استمرار دائرة الحرب والاستنزاف في روسيا وأوكرانيا وأوروبا، وأن ترامب وحده قادر على طرح «مقاربة جديدة» تعيد العالم إلى دائرة التعاون والبناء والازدهار بعد 4 سنوات من الاستقطاب العالمي، حيث فشل العالم في مؤتمرات كثيرة في الخروج بموقف موحد بسبب «الحرب الباردة» التي كانت بين البيت الأبيض والكرملين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ويرد فريق ترامب على المشككين في نجاح القمة المقبلة في وقف الحرب الروسية الأوكرانية، بالقول بأن هذه القمة يكفيها أنها «كسرت الجليد» بين بوتين وترامب قبل أن تبدأ.
ويؤكد كلا الزعيمين الروسي والأمريكي، أن الهدف الأساسي لكل منهما هو عودة الاستقرار والسلام لكوكب الأرض وإنقاذ العالم مما يتهدده.
وحتى يتحقق هذا الهدف الطموح، فلابد من طرح 10 ملفات رئيسية على طاولة القمة الجديدة، وهذه الملفات هي:
أولاً: وقف الحرب في أوكرانيا
رغم أن موسكو لم ترحب رسمياً بالخطوط العريضة لخطة وقف الحرب في أوكرانيا التي أعلنها أكثر من مرة الرئيس الأمريكي المنتخب ونائبه جي دي فانس، إلا أن الحديث الإيجابي من الرئيس بوتين عن ترامب، وتوجس الأوروبيين من رؤية ترامب لحل الصراع في أوكرانيا، يشكلان أساساً قوياً لنجاح القمة الروسية الأمريكية المقبلة، خصوصاً أن رؤية ترامب تقوم على سلسلة من المبادئ التي لم ترفضها كييف بشكل واضح، ومنها مبدأ ترامب القائل بأن «السلام يعتمد ويأتي من القوة»، كما أن روسيا لم ترفض رسمياً اقتراح الرئيس المنتخب بإنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول الجبهة من خاركيف شمالاً إلى زاباروجيا جنوباً، مروراً بكل من دونيتسك ولوجانسك وخيرسون، والاعتراض العلني الوحيد من موسكو على خطة ترامب كان رفضها تجميد دخول أوكرانيا لحلف دول شمال الأطلسي «الناتو» لمدة 20 عاماً فقط، ويريد الكرملين إغلاق باب التوسع لحلف الناتو نهائياً، وعدم دخول أوكرانيا للناتو على الإطلاق.
ثانياً: اتفاقيات تقييد الصواريخ
انسحبت الولايات المتحدة وروسيا في أغسطس 2019 من معاهدة منع إنتاج ونشر الصواريخ متوسطة المدى، والتي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، وهي الاتفاقية التي وقعها الزعيمان السوفييتي ميخائيل جورباتشوف والأمريكي رونالد ريغان في 8 ديسمبر عام 1987 واستمرت نحو 30 عاماً، وكانت تحظر نشر الصواريخ البالستية والمجنحة، سواء التقليدية منها أو النووية، التي تنطلق من البر ويراوح مداها من 1000 كلم إلى 5500 كلم، وأسهم الالتزام بهذه الاتفاقية في السنوات العشر الأولى في تدمير نحو 2700 صاروخ من الجانبين، لكن انسحاب موسكو وواشنطن من هذه الاتفاقية سمح بنشر هذه الصواريخ ليس فقط في أوروبا، بل في شرق وجنوب شرق آسيا، ومن شأن التوصل بين ترامب وبوتين للعودة لهذه الاتفاقية أن يخفف من الموقف الأوروبي تجاه روسيا، لأن الانسحاب من هذه الاتفاقية جعل العواصم الأوروبية مثل باريس وبرلين وحتى لندن في مرمى الصواريخ الروسية، كما أن نشر هذه الصواريخ الأمريكية بالقرب من مدن سان بطرسبرغ الروسية كان من الأسباب الرئيسية للحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، ومن شأن العودة والالتزام بهذه الاتفاقية أن يعيد جزءاً من السلام المفقود إلى القارة الأوروبية، ويخفف من التوتر بين موسكو وواشنطن.
ثالثاً: الابتعاد عن الحروب الخاطفة
يمكن للرئيسين الأمريكي والروسي أن يلتزما عملياً بعدم شن حرب خاطفة على الجانب الآخر عبر العودة مرة أخرى لمعاهدة «الأسلحة التقليدية في أوروبا» والتي وقعها البلدان في عام 1990، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 1990، وانسحبا منها بشكل نهائي عام 2023، وكان الانسحاب منها أكبر خطر حقيقي على الأمن العالمي، لأن بموجب هذه الاتفاقية التي بدأ تطبيقها نهاية الحرب الباردة وانسحب منها الرئيس الحالي جو بايدن، فإنها ألزمت الطرفين الروسي والأمريكي بألا يتجاوز ما يملكه كل طرف 20 ألف دبابة، بينها 16500 في وحدات قتالية، وألا يزيد عدد المدرعات على 30 ألف مدرعة، بشرط ألا يزيد حجم المدرعات في الوحدات القتالية عن 27 ألفاً و300، وألا يمتلك أي طرف أكثر من 20 ألف مدفع، ولا يتجاوز عدد المدافع في جبهات القتال 17 ألف مدفع، وكانت هذه الاتفاقية الشاملة تحد من عدد الطائرات المقاتلة لدى كل جانب بحيث لا تزيد على 6800 طائرة، وألا يتجاوز سقف عدد المروحيات القتالية 2000 مروحية هجومية، وأهمية هذه الاتفاقية التي انسحب منها الرئيسان بايدن وبوتين كانت تغطي مساحة شاسعة من جبال الأورال شرقاً حتى المحيط الأطلنطي غرباً، وسوف يكون نجاح الرئيس ترامب ونظيره الروسي في العودة مرة أخرى لهذه الاتفاقية بمثابة وقف الاندفاعات الجارية في سباق التسلح التقليدي بين الطرفين، حيث أعادت روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة العمل بكل خطوط إنتاج السلاح التقليدي التي كانت تعمل أثناء الحرب الباردة، وزاد الطرفان على كل ذلك بالتوسع في إنشاء مصانع عملاقة بأموال طائلة من أجل إنتاج مزيد من الأسلحة التقليدية لقتال الطرف الآخر.
رابعاً: اتفاقية «السماوات المفتوحة»
أكثر الاتفاقيات التي يمكن أن تشكل نهاية لعهد «الاستقطاب الحاد» الحالي الذي بدأ مع الحرب الروسية الأوكرانية، وسوف يكون «إعلاناً كبيراً» بنجاح القمة الأمريكية الروسية المقبلة هو اتفاق الرئيسين ترامب وبوتين على العودة مرة أخرى للعمل باتفاقية «السماوات المفتوحة» التي انسحب منها الرئيس جو بايدن في 28 مايو 2021، وانسحبت منها موسكو فور تأكيد واشنطن الانسحاب منها، وهي الاتفاقية التي كانت تسمح بتسيير طيران عسكري «غير مسلّح» فوق الدول الموقعة على الاتفاق، وجرى إقرارها عام 1992 من جانب 27 دولة في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وكانت بنود الاتفاقية تسمح للدول الأعضاء باستخدام طائرات استطلاع مزودة بأجهزة رؤية تمكنها من رصد جميع أنواع الأسلحة الموجودة على الأرض لدى الطرف الآخر بغرض تحقيق الشفافية وعدم استعداد أي طرف للقيام بخطوات عدائية ضد الطرف الآخر.
خامساً: نيوستارت من جديد
في فبراير 2023 أعلن كل من الرئيسين بايدن وبوتين الانسحاب من آخر اتفاقية كانت تقيد استخدام ونشر السلاح النووي في العالم وهي اتفاقية «نيوستارت»، وبعدها بدأ العالم يسمع نغمة الحروب النووية من جديد، حيث كانت اتفاقية نيوستارت أو «اتفاقية الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية» هي «عصب السلام العالمي» منذ نهايات الحرب الباردة عندما وقعت كل من واشنطن وموسكو على اتفاقية «ستارت 1» التي منعت نشر أكثر من 6000 رأس نووي فوق 1600 صاروخ بالستي عابر للقارات لدى أي جانب، وفي عام 1991 تم توقيع اتفاقية «ستارت 2» لخفض عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية إلى 3500 لكل طرف بحلول 2003، ونجح الرئيسان الأمريكي باراك أوباما والروسي ديمتري ميدفيدف في 8 إبريل 2010 في التوصل لمعاهدة «ستارت 3» في براغ التشيكية، والتي بدأ العمل بها في 5 فبراير 2011، والتي تحظر على واشنطن وموسكو عدم نشر أكثر من 1550 رأساً نووياً قصير ومتوسط المدى و700 رأس نووي طويل المدى، وعندما انتهت الاتفاقية عام 2011 جرى تجديدها 5 سنوات فقط حتى أعلن الكرملين والبيت الأبيض الخروج منها قبل أقل من عامين، ومنذ انسحاب البلدين من هذه الاتفاقية يعيش العالم في رعب حقيقي في ظل تغيير العقيدة النووية الروسية التي تسمح باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية لمنع العدوان على الأراضي الروسية، ولهذا ستكون العودة لاتفاقية «نيوستارت» بمثابة نقله نوعية نحو العودة للمسار التعاوني بين روسيا والولايات المتحدة، والذي انتهى عملياً مع الحرب الروسية الأوكرانية.
سادساً: حشود البحر الأسود و«البلطيق»
منطقة البحر الأسود وبحر البلطيق تعد من أكثر مناطق الاحتكاك العسكري بين روسيا والولايات المتحدة، التي حدثت في البحر الأسود خلال العامين الماضيين، حيث يوجد الجيش الأمريكي في بلغاريا ورومانيا وتركيا، وسوف يكون تخفيف الحشد العسكري الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية بمثابة نزع حقيقي لفتيل يمكن أن يشعل حرباً عالمية بين واشنطن وموسكو. وبعد انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو وانتشار السفن العسكرية الأمريكية في بحر البلطيق، باتت المنطقة القريبة من السواحل الغربية لروسيا أكثر المناطق حشداً لكل الأسلحة النووية والتقليدية، ولهذا فإن أي إجراءات لتخفيف التوتر في هذه المنطقة التي تطل عليها مدينة سان بطرسبرغ مسقط رأس الرئيس بوتين يمكن أن تكون بداية جيدة في العلاقات بين بوتين والرئيس الأمريكي المنتخب.
سابعاً: القطب الشمالي
شكلت سنوات الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ساحة للصراع والتنافس الأمريكي والروسي في القطب الشمالي، وزادت واشنطن من الأسلحة والصواريخ وكاسحات الجليد، ويمكن للرئيسين بوتين وترامب الإعلان عن نهج غير تصادمي وينزع فتيل الأزمة في القطب الشمالي مع تركيز كل طرف على اكتشاف التكنولوجيا التي تسمح باستخراج الثروات دون صدام عسكري.
ثامناً: عسكرة الفضاء
يمكن لروسيا أن تقدم تطمينات للرئيس ترامب في مجال عسكرة الفضاء، خاصة أن إيلون ماسك الصديق المشترك للرئيس بوتين وترامب يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في هذا الأمر، بعد أن ازدحمت المدارات الفضائية بالمركبات العسكرية التي يمكن أن تهدد عمل الأقمار الصناعية في المستقبل.
تاسعاً: إلغاء تجميد الأموال الروسية
إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في القمة المقبلة، أنه سوف يوقف تجميد الأموال والأصول الروسية في الغرب، سوف يكون بمثابة «عربون تعاون» مع الرئيس الروسي، بعد أن جمدت واشنطن وعواصم غربية أخرى نحو تريليون دولار روسي منذ الحرب الروسية الأوكرانية.
عاشراً: عدم التدخل في الشؤون الغربية
أكثر الاتهامات التي يواجهها ترامب، السماح لبوتين بالتدخل في الانتخابات والشؤون الداخلية الغربية والأمريكية، وتضمين البيان الختامي للقمة الأمريكية الروسية المقبلة بنداً ينصّ بوضوح على التزام روسيا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الغربية سوف يكون نجاحاً كبيراً للقمة التي ينتظرها العالم بين سيد الكرملين والساكن الجديد للبيت الأبيض.
[email protected]
0 تعليق