إعداد ـ محمد كمال
نظرة فاحصة على شاطئ المليارديرات، تكشف حجم الخسائر الموجعة التي خلفتها حرائق لوس أنجلوس الأمريكية، والمقدرة بمليارات الدولارات، والتي لا يمكن لعدسات الكاميرات أن ترصدها، رغم ما توثقه من مشاهد لما يشبه «ساحة الحرب»، وهو ما دفع بعض الأثرياء والمشاهير الآخرين إلى اللجوء لعناصر إطفاء الشركات الخاصة مهما كلفهم الأمر.
وشاطئ كاربون عبارة عن منطقة صغيرة تضم نحو 70 منزلاً، وتمتد لمسافة تزيد قليلاً على ميل واحد، ولكنها تُعرف باسم «شاطئ المليارديرات»؛ لأنها مكان لبعض أغلى العقارات على هذا الكوكب.
وتعرض الشاطئ المطل على المحيط الهادئ لأضرار كارثية؛ حيث أدت حرائق إلى تحويل قصور فاخرة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات إلى رماد وأنقاض.
ومن بين ما تعرض للتدمير، قصر المستثمر العقاري روبرت ريفاني الذي أمضى ما يقرب من ثلاث سنوات في تجديده بذلك الموقع الخلاب على شاطئ كاربون في ماليبو؛ حيث أحاطه بحديقة غناء و«ساونا» بالأشعة تحت الحمراء مضاءة بنور الشمس، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.
كما كانت مساحات المعيشة ذات أرضيات من الحجر الجيري والعقيق على الجدران، إلى جانب الجص الطيني الروماني. بما في ذلك سعر المنزل الأصلي، والمقدر قبل التطوير بـ27 مليون دولار، لكن ارتفعت قيمته لاحقاً إلى 40 مليون دولار. وبين عشية وضحاها تحول كل ذلك إلى أنقاض.
كما قال ريفاني إنه استورد الرخام من جميع أنحاء العالم، وأنفق 500 ألف دولار على مطبخ مخصص من ألمانيا. وأضاف: «الأرض التي كانت قيمتها ذات يوم 15 مليون دولار، ربما أصبحت الآن عديمة القيمة أيضاً»، موضحاً: «ما هي القيمة التي تضعها على مجتمع بأكمله تحترق أرضه، ولا يوجد لديك مطاعم أو متاجر أو محطات وقود أو قوة عاملة؟».
ولطالما انجذب الأثرياء إلى «كاربون بيتش» بسبب جماله الطبيعي وعزلته النسبية، وعلى مرّ السنين، كان من بين أصحاب المنازل الأثرياء أقطاب الإعلام ديفيد جيفن وجيفري كاتزنبرج، ولاري إليسون، الذي لا يزال يمتلك منازل متعددة هناك. وعلى الرغم من كونه شاطئاً عاماً من الناحية التنظيمية، فإنه يحتوي على عدد قليل نسبياً من نقاط الوصول العامة وعدد قليل من مواقف السيارات، وبالتالي يظل هادئاً. كما تقع معظم المنازل مباشرة على الرمال وتواجه المحيط.
ويقول ريفاني إن الحريق فاجأ المجتمع؛ حيث لم تتجاوز الحرائق السابقة في المنطقة طريق ساحل المحيط الهادئ السريع، وبالتالي تركت المنازل مباشرة على المحيط سالمة.
ومن بين أغلى المنازل التي تم تدميرها في القطاع مجمع كان يملكه ديفيد جيفن سابقاً، وفقاً لعدد من السكان المحليين. حيث باع العقار مقابل 85 مليون دولار في عام 2017، إلى الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الاستثمارات المالية مارك والتر.
ويكشف رجل أعمال تدمر قصره في المنطقة، أن تأمينه يندرج ضمن الخطة العادلة الممتدة بالفعل لولاية كاليفورنيا، والتي توفر فقط ما يصل إلى 3 ملايين دولار لتغطية العقارات السكنية.
بعض الحظ
لكن رجل الأعمال الذي كان محظوظاً، فهو جرانت كاردوني، نجم فيلم «Undercover Billionaire»، حيث إن منزله على شاطئ كاربون لا يزال قائماً حتى الآن، على الرغم من تعرضه لأضرار كبيرة. وقال كاردوني: «المنازل المجاورة لي، على طول الطريق إلى كاربون بيتش، اختفت بأكملها».
وأشار إلى أنه دفع 40 مليون دولار في عام 2022 مقابل ممتلكاته، وهو منزل شاطئي مساحته 9500 قدم مربعة به حوض أسماك مدمج ومكتبة وأبواب زجاجية ممتدة من الأرض حتى السقف تفتح على سطح السفينة. والآن، أصبح الجزء الداخلي متفحماً، كما تعرض أحد الجدران على الأقل للخطر. وقال كاردوني إن تأمينه من المرجح أن يغطي الخسارة لأنه مشمول ببوليصة مظلة أكبر تشمل العقارات الأخرى التي يمتلكها في جميع أنحاء البلاد.
وتوقع كاردوني أن يبدأ في إعادة البناء فور هدوء الأوضاع، لكن المشكلة التي تقابله ستتمثل في العمالة المتاحة للقيام بذلك، «فكيف ستحصل على عمالة لهذه المنازل العديدة؟».
إهمال وتعنت
وعبر العديد من الأثرياء عن الإحباط من السلطات المحلية وسلطات الولاية، التي يتهمونها بعدم الاستعداد لمواجهة الحرائق. ويقول أحدهم: «ندفع مئات الآلاف من الدولارات كضرائب عقارية سنوياً، ومع ذلك ليس لدينا صنابير إطفاء صالحة للعمل.. إنه أمر مذهل». ويستفسر الكثيرون: «ما هي التدابير الوقائية التي تم اتخاذها للحفاظ على سلامة الناس، الأغنياء والفقراء؟».
كارين باس عمدة لوس أنجلوس التي واجهت انتقادات عنيفة، وكانت خارج الولاية وقت الحرائق، رفضت الاتهامات بعدم الاستعداد، قائلة إن الحريق كان نتيجة «ثمانية أشهر من الأمطار والرياح الضئيلة التي لم تشهدها لوس أنجلوس منذ 14 عاماً على الأقل».
كما قال حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، إن مسؤولي المياه ومكافحة الحرائق بالولاية سيحققون بشكل مستقل في سبب فقدان ضغط المياه الذي جعل صنابير الإطفاء التابعة لبلدية لوس أنجلوس غير صالحة للاستخدام أثناء الحريق في منطقة المحيط الهادئ.
كما أشار بعض المنتقدين إلى أن «العديد من المنازل في هذه المنطقة عمرها 50 عاماً.. واعتبروا أنها بمثابة صناديق بارود. وأعادوا ذلك إلى تشدد السلطات في أعمال التجديد والصيانة.
أطقم إطفاء خاصة
وأمام مشاهد الخسائر الضخمة في «شاطئ المليارديرات»، قام رجال أعمال آخرون في لوس أنجلوس بالتواصل مباشرة مع شركات إطفاء خاصة، رغم أن ذلك قد يتكلف آلاف الدولارات يومياً، لكنهم قالوا «سندفع أي مبالغ» لحماية ممتلكاتهم، وفق صحيفة نيويورك تايمز.
ومقارنة بما حدث في شاطئ المليارديرات، فإن منطقة باسيفيك باليساديس، التي تتمتع بالكثير من السحر، والتي أتت الحرائق على أجزاء كبيرة منها، فإن قصورها الفاخرة التي يعود بعضها لأشهر نجوم هوليوود ورجال العمال لا تزال صامدة، ويعود ذلك كثيراً إلى فرق الإطفاء الخاصة.
وبينما كانت سيارات الإطفاء التابعة للوكالات المحلية والحكومية تعمل على إخماد الحرائق في منطقة باليساديس الجمعة، كانت فرق من رجال الإطفاء الخاصين الذين يركبون شاحنات صغيرة في مكان الحادث أيضاً، لمراقبة منازل بعينها.
وبحسب ما ذكرت تقارير إعلامية أمريكية، فإنه يمكن أن يتكلف طاقم إطفاء خاص مكون من شخصين بمركبة صغيرة 3000 دولار في اليوم، في حين أن طاقماً أكبر مكوناً من 20 رجلاً في أربع شاحنات إطفاء يمكن أن يصل إلى 10000 دولار في اليوم. ونحو 45% من رجال الإطفاء في الولايات المتحدة يعملون في القطاع الخاص. ويتم تعيين آخرين من قبل شركات التأمين التي تحاول تجنب الخسائر الكبيرة.
وفي كثير من الأحيان، يبدأ عمل فرق مكافحة الحرائق الخاصة قبل أن تصل من الغابات إلى الممتلكات، عن طريق إزالة النباتات ورش مثبطات اللهب وإغلاق الفتحات بشريط مقاوم للحريق في الأيام والساعات التي تسبق وصول النيران.
ورغم كل هذه الإجراءات الاحترازية، فإن معظم مجموعات مكافحة الحرائق الخاصة في الولايات المتحدة مدربة على العمل في الغابات العميقة، «لكن مكافحة الحرائق التي تجري في لوس أنجلوس الآن هي معركة حرائق في المناطق الحضرية، والكثير من العناصر وحتى التابعون للشركات الخاصة غير مدربين على التعامل معها».
وأضاف أن «شركات العقود الخاصة ليست مدربة أو مجهزة للعمل في هذه البيئة».
ولا يبدو أن هذا يقلل الطلب عليها.
كان بروس برومبيرج، الذي تمتلك سلسلته Blue Ribbon Sushi مطعماً في قرية Palisades، موجوداً في لاس فيغاس عندما اقتربت الحرائق من مركز التسوق، وكان يشاهد البث من كاميرات المراقبة الخاصة بالمطعم. وعندما رأى ألسنة اللهب تشتعل في فناء المطعم صباح الأربعاء، اتصل بفريق السيد كاروسو، الذي أخبره أنهم «يبذلون كل ما في وسعهم».
وقال إن الحريق تم إخماده بسرعة عن طريق أحد سائقي شاحنات المياه التي استأجرها السيد كاروسو.
وقال السيد برومبيرج، إنه كان يقرأ الانتقادات الموجهة لاستخدام السيد كاروسو لرجال الإطفاء الخاصين، وقال إن ذلك غير عادل.
وقال: «لقد بنى ريك المكان للمجتمع وقام بحمايته من أجل المجتمع». لقد أنقذ هذه الشركات. ولو امتلأت تلك الصنابير بالماء لأنقذ ما يمكن أن ينقذه.
0 تعليق