إعداد ـ محمد كمال
تصميم دونالد ترامب على استخدام أوراق الضغط من أجل ضم غرينلاند من كندا إلى الولايات المتحدة، منذ ولايته الرئاسية الأولى وحتى الآن، يشير إلى مدى أهميتها بالنسبة لسياساته المحتملة مع عودته بفوز كاسح إلى البيت الأبيض، رافعاً شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، حيث يرى أن الجزيرة بمثابة «الكنز الموعود» للأمن القومي والاقتصادي الأمريكي.
في أحدث تصريحاته قال ترامب إن الولايات المتحدة بحاجة لضم غرينلاند من كندا، مبرراً ذلك بأهميتهما بالنسبة للأمن القومي والاقتصادي الأمريكي، وهو ما دفع المحللين إلى تفسير سبب تصميم ترامب على إعادة محاولات الضم التي سعى إليها في ولايته الأولى.
ـ أهمية غرينلاند
رغبة ترامب في توسيع الولايات المتحدة بمنطقة تعادل تقريباً مساحة ولايتي تكساس وألاسكا مجتمعتين، ليست بالأمر الجديد، فقد حاول إقناع الدنمارك ببيع غرينلاند، التي تقع جغرافياً في أمريكا الشمالية، خلال فترة رئاسته الأولى، ولكن تم رفض طلبه، ما دفعه لإلغاء زيارة كانت مقررة في 2019.
وإبان الحرب العالمية الثانية، عرضت الولايات المتحدة على الدنمارك 100 مليون دولار لدعم غرينلاند. ومقابل ذلك، حصلت على معاهدة دفاع تركزت في قاعدة عسكرية أمريكية هناك، مثلت أهمية استراتيجية منذ السنوات الأولى للحرب الباردة.
ويعد الموقع العسكري الأمريكي في أقصى الشمال حيوياً للدفاع الصاروخي ومراقبة الفضاء، حيث يضم نظام الرادار الأمريكي، المعروف باسم شبكة رادار نظام الإنذار المبكر للصواريخ الباليستية.
ومن شأن شراء غرينلاند أن يضمن استمرار الوصول إلى القاعدة، على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أنها معرضة للخطر. ومع ذلك، يصر ترامب على أنه يريد غرينلاند لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وبصرف النظر عن القاعدة، تقع غرينلاند على ممرات بحرية استراتيجية مثل الممر الشمالي الغربي، كما تقع أسفل مسارات الطيران في القطب الشمالي. وهي على أقصر طريق من أمريكا الشمالية إلى أوروبا.
ـ الكنز الموعود ـ
وتعد غرينلاند بمثابة كنز محتمل من الموارد الطبيعية، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة. وتعتبر هذه المعادن حيوية للتقنيات العسكرية والطاقة الخضراء والصناعات المتطورة. ويمكن العثور على نحو 37 من أصل 50 معدناً تعتبرها الولايات المتحدة «حرجة» بكميات معتدلة أو عالية في غرينلاند بناءً على مسح تم إجراؤه عام 2023.
كما تضم الطبقة الجليدية في غرينلاند 7% من المياه العذبة في العالم، ويُعتقد أن مواردها غير المستغلة من النفط والغاز هي ثالث أكبر موارد في القطب الشمالي.
ـ مسألة الأمن القومي ـ
بينما تعمل روسيا والصين جنباً إلى جنب لتعزيز نفوذهما في القطب الشمالي، وهي منطقة رئيسية للنقل والموارد، فقد يؤدي تغير المناخ إلى فتح ممرات مائية جديدة ومناطق جديدة للاستيطان، ما يزيد من احتمال حدوث سباق على القطب الشمالي وسط قوى عظمى متنافسة.
وتقول وزارة الدفاع الأمريكية إن الصين تنظر إلى المنطقة على أنها مفترق طرق جديد للعالم ومصدر جديد للمواد الخام، وفي عام 2019، حذر السياسيون الجمهوريون من أن الصين تحاول بناء مطارات في غرينلاند وحتى شراء قاعدة بحرية أمريكية قديمة هناك.
ـ احتمالات نجاح مساعي ترامب ـ
ليس هناك ما يضمن أن سكان غرينلاند البالغ عددهم 57 ألفاً تقريباً سيكونون على استعداد لأن يصبحوا جزءاً من الولايات المتحدة. وفي عام 2009، حصلت الجزيرة على الحكم الذاتي من الدنمارك بموجب اتفاق يمنحها الحق في إعلان الاستقلال في يوم من الأيام.
كما تعتبر أيضاً عملية الاستحواذ على غرينلاند باهظة الثمن. وفي عام 2019، قدرت صحيفة واشنطن بوست أن التكلفة قد تصل إلى 1.7 تريليون دولار، على افتراض أن الجزيرة معروضة للبيع. لكن قالت وقتها حكومة الجزيرة إنها ليست معروضة للبيع.
ويرى مراقبون أن ترامب المفاوض العنيد، لا يقبل بالرفض، واغتنم الفرصة لتسمية سفيره إلى الدنمارك لإحياء الطلب، وعندما وصل نجله دونالد ترامب جونيور في زيارة إلى غرينلاند، قال: «أسمع أن شعب غرينلامد يحبون شعار ماغا»، في إشارة لاختصار «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
وخلال مقابلة أوردها كتاب The Divider، قال ترامب حينها: «أحب الخرائط. وكنت أقول دائماً: انظر إليها.. إنها ضخمة.. ويجب أن يكون ذلك جزءاً من الولايات المتحدة». ومع ذلك، فإن غرينلاند في الواقع أصغر بكثير مما تظهر على الخرائط، وفقاً لصحيفة «تليغراف».
ويرجع بعض المؤرخين فكرة القيام بأكبر عملية شراء للأراضي في أمريكا منذ شراء ألاسكا في عام 1867، إلى الملياردير رونالد لودر قطب مستحضرات التجميل. وعرض الرجل البالغ من العمر 80 عاماً، وهو صديق قديم لترامب، نفسه كمفاوض مع الحكومة الدنماركية.
ـ أمريكا وشراء الأراضي ـ
وبالنسبة لشراء الأراضي، فقد كانت آخر عملية قامت بها الولايات المتحدة عام 1917، حيث استحوذت على جزر فيرجن من الدنمارك. وقبل ذلك، اشترت ألاسكا من الإمبراطورية الروسية، ولويزيانا من فرنسا، إضافة إلى أراضٍ من المكسيك وإسبانيا.
وأجرى فريق الأمن القومي التابع لترامب مناقشات أولية حول العملية التي من خلالها سيوجه ترامب وزارة الخارجية لإجراء مفاوضات مع حكومتي الدنمارك وغرينلاند، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال. ومن الممكن أن يحدث ذلك من خلال اتفاقيات الشراكة الحرة، والتي تشبه المساعدات المالية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع العديد من دول جزر المحيط الهادئ.
وغرينلاند هي جزء من مملكة الدنمارك يتمتع بالحكم الذاتي، وبينما تتخذ حكومتها القرار بشأن معظم الشؤون الداخلية، فإن كوبنهاجن هي التي تتولى السياسة الخارجية والأمنية.
0 تعليق