جيمي كارتر.. صانع السلام الذي لم تُنصفه السياسة

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

متابعات – «الخليج»
رغم أن جيمي كارتر، الذي توفي أمس الأحد عن عمر 100 عام، لم يُعتبر من بين أبرز رؤساء الولايات المتحدة، فإن إرثه مليء بالإنجازات التي تفوق التقدير الذي ناله طوال مسيرته السياسية.
بإصرار لا يلين، تحول كارتر الرئيس الأمريكي رقم 39 إلى رمز عالمي كصانع سلام مثابر وحلّال أخلاقي للمشاكل. وفي حين كانت فترة رئاسته مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية، فإن إنجازاته الحقيقية أصبحت أكثر وضوحاً مع مرور الوقت.
فترة رئاسية مليئة بالتحديات
بحسب موقع مجلة «تايم»، تميزت فترة رئاسة كارتر بأزمات كبرى مثل انهيار الاقتصاد، الغزو السوفييتي لأفغانستان، وأزمة الرهائن في إيران. ورغم خسارته إعادة انتخابه عام 1980 أمام رونالد ريغان، فإن إنجازاته على الصعيدين المحلي والدولي أثبتت قيمتها مع مرور السنين.
على سبيل المثال، خلال رئاسته، لم تُطلق الولايات المتحدة رصاصة واحدة أو تُلقِ قنبلة في أي قتال عسكري. وقد نجح كارتر في تجنب خمس حروب محتملة، أبرزها عبر اتفاقيات «كامب ديفيد»، التي أسست لسلام دائم بين مصر وإسرائيل، وجعلت الجيش المصري—القوة الوحيدة القادرة على تهديد إسرائيل—يتوقف عن إطلاق النار منذ ذلك الحين.
العيش عبر ثلاثة قرون
كارتر، أطول الرؤساء عمراً في تاريخ الولايات المتحدة، عاش تجربة تمتد عبر ثلاثة قرون. نشأ في جنوب ريفي لم يتغير كثيراً عن القرن التاسع عشر، وأسهم في دفع حركات القرن العشرين الكبرى: الحقوق المدنية، حقوق المرأة، حقوق الإنسان عالمياً، وحماية البيئة.
في القرن الحادي والعشرين، استمر كارتر في العمل من خلال مركز كارتر، الذي أسسه لمواجهة تحديات الألفية الجديدة مثل حل النزاعات، مكافحة الأمراض، وتعزيز التنمية المستدامة.
الجذور المتواضعة في جورجيا
وُلد جيمي كارتر في بلدة بلاينز الصغيرة بولاية جورجيا عام 1924. كانت حياته المبكرة مليئة بالتحديات، حيث نشأ في مزرعة بدائية تفتقر للكهرباء والمياه الجارية، ولكنه تعلم فيها قيم الانضباط والعمل الجاد.
بعد تخرجه من الأكاديمية البحرية الأمريكية، خدم كارتر كضابط في الغواصات ثم أصبح جزءاً من برنامج الغواصات النووية تحت قيادة الأدميرال هايمان ريكوفر. أسهم في مشاريع نووية كبرى عززت التفوق الاستراتيجي الأمريكي خلال الحرب الباردة.
الصعود إلى البيت الأبيض
في عام 1976، نجح كارتر، بمساعدة حملة انتخابية ذكية، في كسب ثقة الأمريكيين بعد فضيحة ووترغيت التي هزت المؤسسات الأمريكية. كان شعار حملته «لن أكذب عليكم» رسالة قوية في وقت كان فيه الشعب الأمريكي يبحث عن القيادة الصادقة.
رغم التحديات التي واجهها خلال حملته، بما في ذلك مقابلة مثيرة للجدل مع مجلة بلاي بوي، تمكن كارتر من الفوز بفارق ضئيل على الرئيس الحالي آنذاك جيرالد فورد.
إنجازات تشريعية ودبلوماسية
خلال فترة حكمه، أجرى كارتر تغييرات جذرية، سواء داخلياً أو خارجياً. على الصعيد التشريعي، أسس وزارتي التعليم والطاقة، وعيّن أكبر عدد من النساء في القضاء مقارنة بجميع أسلافه مجتمعين. كما ركز على قضايا البيئة والطاقة البديلة.
أما على الصعيد الدولي، فقد كان كارتر شخصية بارزة في تعزيز حقوق الإنسان والتوصل إلى حلول دبلوماسية. جاءت أبرز إنجازاته في اتفاقيات «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، والتي اعتُبرت أحد أهم معاهدات السلام في القرن العشرين.
الأزمات والتحديات
رغم إنجازاته، لم تخلُ فترة حكمه من الأزمات. عانت الولايات المتحدة تضخماً اقتصادياً حاداً، إضافة إلى أزمة الرهائن في إيران التي استمرت 444 يوماً وأثرت بشكل كبير في شعبيته.
في عام 1980، وافق كارتر على عملية عسكرية لإنقاذ الرهائن في إيران، لكنها انتهت بكارثة بعد فشل العملية في الصحراء الإيرانية ومقتل ثمانية جنود أمريكيين.
رجل النهضة بعد الرئاسة
بعد مغادرة البيت الأبيض، رفض كارتر أن ينضم إلى الشركات أو يتقاضى أموالاً مقابل إلقاء الخطابات. بدلاً من ذلك، كرس حياته للأعمال الإنسانية. أسس مركز كارتر، الذي أسهم في مراقبة أكثر من 100 انتخاب دولي ومكافحة أمراض مستعصية مثل داء دودة غينيا.
كما عمل كارتر مع منظمة «هابيتات فور هيومانيتي»، وشارك شخصياً في بناء المنازل للفقراء، ما جعله نموذجاً فريداً للرؤساء السابقين.
جهود مثيرة للجدل
لم يكن كارتر يخشى اتخاذ مواقف جريئة، بما في ذلك لقاؤه مع شخصيات مثيرة للجدل مثل قادة حركة حماس. في عام 2006، أثار الجدل بكتابه فلسطين: سلام لا أبارتهايد، الذي انتقد فيه السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
ورغم الانتقادات، استمر كارتر في العمل من أجل السلام العالمي، حتى انضم إلى مجموعة «الشيوخ»، التي أسسها نيلسون مانديلا، لحل النزاعات الدولية.
إرث خالد
مع إعادة تقييم فترة رئاسته، أصبح إرث كارتر محل احترام واسع. كقائد عاش حياة مليئة بالعمل الدؤوب والالتزام بالقيم الأخلاقية، ترك بصمة عميقة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم.
سواء كرئيس أو مواطن عادي، أثبت جيمي كارتر أن القيادة لا تتطلب فقط السلطة، بل تتطلب الشجاعة والعمل من أجل الصالح العام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق