يملك «ابن خلدون الشرق» المفكر البحريني الراحل محمد جابر الأنصاري، الذي غادرنا اليوم الخميس، عن 85 عاماً، مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والعلمي كان خلالها نموذجاً فريداً للمفكر العربي الذي كرّس حياته لخدمة قضايا الأمة، قدّم خلالها إسهامات نوعية في الفكر، والأدب، والثقافة.
ولد الراحل في العام 1939م في مدينة المحرق البحرينية، لعائلة بسيطة؛ إذ عمل والده في الغوص وصيد اللؤلؤ، قبل أن ينتقل إلى شركة نفط البحرين. وبدأ دراسته في (المطوع) الكتاتيب، ثمّ التحق بعدها بمدرسة الهداية الخليفية للبنين. ثم التحق بالمدرسة الثانوية في المنامة. وفي بداية الستينات، التحق بالدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث نال البكالوريوس والماجستير ثم الدكتوراه في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر. كما حمل الراحل شهادة في اللغة والحضارة الفرنسية من السوربون الفرنسية في العام 1982.
وخلال مسيرته العملية، تولى الراحل عدداً من المناصب المرموقة، بينها رئيس الإعلام وعضو مجلس الدولة بالبحرين في بداية السبعينات، كما كان من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب بالبحرين، وشارك أيضاً في تأسيس معهد العالم العربي 1981، وعُيّن أيضاً مستشاراً ثقافياً وعلمياً بديوان سمو ولي العهد في البحرين. كما شغل منصب عميد كلية الدراسات العليا، وأستاذ الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر بجامعة الخليج العربي البحرينية.
وخلال مسيرته الفكرية، تأثر الراحل بالعالم الشهير ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، فسار على نهجه حتى عرف بـ(ابن خلدون الشرق)؛ إذ رآه أبرز مؤرخ عربي دعا إلى ضرورة التنبّه للعوامل الموضوعية في فهم التاريخ، واعتبر مقدمته الشهيرة، وثيقة لا يُستغنى عنها في الراهن العربي لتأسيس وعي تاريخي علمي وموضوعي بحقيقة الذات، والآخر وتأصيله.
وتميزت أعمال المفكر الراحل، التي تنوعت بين الفكر والأدب والنقد والثقافة والسياسة، باتساق الرؤية الفكرية لتجديد المشروع النهضوي، والتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية. ويملك الراحل أكثر من 20 مؤلفاً كان لها دورها البارز في تطور الحركة الفكرية والثقافية والتنويرية، في تاريخنا المعـاصر.
ومن أشهر مؤلفاته، «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي» و«العالم والعرب»، و«التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق»، و«تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها»، و«تكوين العرب السياسي» و«رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية»، و«لقاء التاريخ بالعصر»، وغيرها من الأعمال البارزة التي عبّرت عن مشروعه الفكري التنويري.
ورحل الأنصاري، تاركاً وراءه إرثاً من العطاء يمتدّ لسبعة عقود، وبصمة كبيرة كأحد أبرز روّاد الحركة الفكرية والثقافية في البحرين والعالم العربي.
0 تعليق