نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أشرف غريب يكتب: الفن السابع.. شهادة للتاريخ, اليوم الأحد 8 ديسمبر 2024 06:05 صباحاً
كانت لفتة طيبة من إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الأخيرة التى انتهت قبل أيام، حين قررت للمرة الأولى فى تاريخ المهرجان الاحتفاء بمطبوعة سينمائية كان لها حضورها القوى على الساحتين السينمائية والصحفية وقف وراءها وتحمس لها الفنان الكبير محمود حميدة، وهى مجلة «الفن السابع» التى توقفت عن الصدور بعد خمسة وأربعين عدداً بين ديسمبر 1997 وأغسطس 2001، هذه المطبوعة المتخصصة التى حرّكت الراكد، واستوعبت أجيالاً، وصنعت تجربة لا يزال أثرها الطيب واضحاً رغم مرور كل هذه السنوات على توقفها.
وجاء الاحتفاء بالمجلة من خلال ندوة مهمة وكتاب أكثر أهمية حمل عنوان «مختارات الفن السابع» قدم له بدراسة تحليلية وافية الأستاذ الدكتور ناجى فوزى، وضم مجموعة منتقاة من الموضوعات التى ظهرت على صفحات الفن السابع على مدى عمرها القصير، ورغم تحفظى على بعض هذه الانتقاءات غير محددة المعايير التى تعبر بالتحديد عن وجهة نظر صاحبها، إلا أن هذا الكتاب كان تكريماً مميزاً لتجربة جيل من محبى السينما سار وراء حلمه حتى بات واقعاً ملموساً رغم قصر عمر التجربة.
ولأن المنجز كان عظيماً، ولأن السنين باعدت الآن بيننا وبين تلك التجربة فقد سعى البعض للتمسح فيها بادعاء أدوار أو المبالغة فيما قدمه من دور، صحيح هناك حقائق ثابتة لا تقبل الشك أو التأويل أبرزها أن ممولها فارس نبيل من عاشقى السينما هو الفنان محمود حميدة، وأن مؤسسها ورئيس تحريرها هو ألفة جيلنا الكاتب الراحل محمود الكردوسى، وأن رئيس تحريرها الثانى والأخير الذى توقفت المجلة فى عهده هو الزميل أسامة عبدالفتاح، لكن كانت وراء التجربة ولادة متعسرة وتفاصيل كثيرة ماعت حقائقها بسبب تلك الادعاءات والمبالغات، ومن هنا أجد من الواجب علىّ باعتبارى واحداً ممن عاشوا التجربة أن أسجل شهادتى للتاريخ متجرداً من أى هوى أو ميل، مرجعاً الحقوق لأصحابها دون إفراط أو تفريط.
كنا خمسة صحفيين شباب عاشقين للسينما يقودنا أكبرنا سناً وأكثرنا موهبة هو الكاتب الراحل محمود الكردوسى، نحلم حلماً وردياً عريضاً بأن تكون لنا مطبوعة سينمائية متخصصة، أما الأربعة الآخرون فهم الزملاء أمينة الشريف وأسامة عبدالفتاح والراحل ضياء حسنى وكاتب هذه السطور، لم يكن المحتوى هو المشكلة، فكل واحد فينا قادر بمفرده على إنجاز مجلة متخصصة تحظى بالقبول والنجاح، وإنما كان من الواجب توافر أمور إجرائية واقتصادية حتى يتحول الحلم إلى واقع، ظللنا أشهراً نجتمع ونبحث عن ترخيص ومموِّل، فكَّرنا فى تأسيس جمعية خاضعة للشئون الاجتماعية أو الاختباء داخل إحدى الجمعيات القائمة، قادتنا محاولاتنا إلى اللجوء لأحد رجال الأعمال المعروفين والذى تقيم أسرته حالياً مهرجاناً للسينما، وذلك عن طريق الكاتب الصحفى الراحل ماجد عطية، ثم استطعنا أن نحل مشكلة الترخيص عن طريق زميلنا أبوالعباس محمد وبقيت مشكلة التمويل.. فى الطريق التحق بنا المخرج الفنى وفنان الخط العربى الموهوب حامد العويضى، ثم الزميل وائل عبدالفتاح، وقررنا أن نصدر عدداً تجريبياً حتى يكون فى أيدينا ما يمكن أن نعرضه على الممولين المحتملين، وبالفعل صدر العدد التجريبى الأول فى مايو 1997 متبنياً فكرة جماليات الفقر فى ظل عدم القدرة على توفير أسباب الإبهار الصحفى المعروفة، لكن أزمة التمويل بقيت تراوح مكانها، وبقى الحلم أيضاً على حاله نابضاً بكل قوة فى العروق، إلى أن ألقى إلينا صديقى وابن مجلتى (الكواكب) الكاتب الراحل محمد الدسوقى طوق النجاة بأن زفّ إلى مسامعنا الخبر السعيد بأن الفنان محمود حميدة على استعداد لتمويل مشروع المجلة وأنه كان يحلم بالتوازى مع حلمنا بإصدار مطبوعة سينمائية متخصصة تحرك الراكد فى الخطاب السينمائى وتواكب التطور الحادث على الساحة بفعل النقلة اللافتة التى سببها نجاح فيلم «إسماعيلية رايح جاى» فى العام نفسه.
قبل محمود حميدة راضياً مرضياً تحمل الأمانة التى أبى أن يحملها الملياردير المعروف، لكنه لم يكن قط ظلوماً جهولاً، والفارق بين الاثنين أن «حميدة» كان ولا يزال جزءاً من التجربة الفنية، يعشقها حد الجنون، ويدرك أهميتها صناعة وفناً ويقتات منها ويحرص على النهوض بها من أجل استمراريتها، أما الآخر فينظر إلى السينما من الخارج، يعتبرها مجرد واجهة أو أداة دعاية لمشاريعه واسمه التجارى الرنان، لم يحسبها «حميدة» اقتصادياً فى ظل سطوة دوافعه الفنية والفكرية بينما الآخر -وأثبتت الأيام أنه كان على حق- رآها فكرة خاسرة مادياً واقتصادياً ما دامت ليست لديه الدوافع ذاتها التى حركت نجماً حقيقياً بقيمة محمود حميدة الذى وضع كل إمكانياته تحت أمر هذا الحلم، وكفّ أيدينا عن نضال «جماليات الفقر» مستعيضاً عنها بكل وسائل الإبهار الممكنة التى جعلت من الفن السابع بعد صدور 45 عدداً فقط ومرور كل هذه السنوات على توقفها حدثاً ثقافياً وصحفياً فريداً، وتجربة ملهمة لكل صاحب رسالة يسعى وراء حلمه مهما كلفه ذلك من عنت ومشقة.
0 تعليق