رأس الخيمة: «الخليج»
يفوح عبق الأصالة والتاريخ من مناطق عدة، عبر الامتداد الجُغرافي لرأس الخيمة، وسط اعتزازٍ بالغ، شعبي ورسمي، واحتفاءٍ لافت بالهوية التراثية والثقافية الوطنية للإمارة، الأمر، الذي يتجلى في جهود حماية المواقع الأثرية والتاريخية، التي تعكف عليها حُكومة رأس الخيمة، مُمثلةً بدائرة الآثار والمتاحف العامة، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، بجانب العدد الكبير من «المتاحف المنزلية»، التي أنشأها المواطنون في بيوتهم ومُنشآتهم الخاصة، بصورةٍ تُؤكد «عشق الموروث» والاعتزاز الكبير بما خلّفه الآباء والأجداد، والذي يسري في دماء أبناء الإمارات إجمالاً، وبشكلٍ يكشف عن الوجه الحضاري الوطني لمُواطني الدولة. تضم رأس الخيمة حوالي 1000 موقع أثري وتاريخي، وكشفت الحفريات فيها عن حضارات تجارية متقدمة سكنت المنطقة، منذ أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد.
تحتضن الإمارة 4 مواقع أثرية مُدرجة على القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو». واستضافت دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة مجموعةً من الخبراء، التابعين للمنظمة العالمية، لإجراء تقييم لتلك المواقع، بهدف إضافتها لاحقاً وبشكل نهائي إلى قائمة اليونسكو الدائمة لمواقع التراث العالمي.
«جلفار» و«مجان» و«الصير»
عُرفت رأس الخيمة في الماضي بأسماء عدة، منها «جلفار» و«مجان» و«الصير»، ويعود تاريخ الإمارة إلى العصر الحجري الحديث، وهي بذلك من المناطق القليلة في العالم، التي استوطنها البشر منذ أكثر من 7 آلاف عام.
هوية ثقافية
خلال المراحل الماضية، تصاعد اهتمام أبناء رأس الخيمة بالحفاظ على تُراثهم وثقافتهم وتقاليدهم وهويتهم، الوطنية والشعبية والحضارية، التي تتجلى في الموروث الشعبي والفنون والرياضات الشعبية، كالفروسية وسباقات الهجن، وتحتضن رأس الخيمة، اليوم، العديد من المراكز والأندية والمؤسسات الثقافية، والجمعيات الخاصة بالفنون الشعبية والحرف اليدوية التراثية، والمسارح، والمكتبات، التي تُسهم في الحفاظ على تقاليد الإمارة وتحتفي بموروثها.
نماذج حية
ويعدّ «مهرجان فن رأس الخيمة» السنوي وفعاليات «حي التراث» الموسمية أمثلة حية ومشرقة، تعكس حرص الإمارة على الحفاظ على تقاليدها وإرثها الثقافي، وجعلها في متناول الجميع.
الأُسرة الحاكمة
وتُمثل أسرة القواسم الحكام التاريخيين لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة، حيث حكمت الأسرة إمارة رأس الخيمة منذ القرن الميلادي ال 18، وعُرفت بأنها القوة البحرية لهذه المنطقة.
إحياء «الأصالة»
وتُعد «الجزيرة الحمرا»، التي تمتلك تُراثاً عُمرانياً عريقاً، حيث تضم قرية الصيد والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، الوحيدة من نوعها، التي لا تزال تُحافظ على طبيعتها في منطقة الخليج العربي. وباعتبارها «جزيرة» تكوّنت بفعل المد والجزر، فهي مكونة من الأحجار المرجانية، فيما هجر سكانها الجزيرة عام 1968، وجرى العمل على مشروع ضخم، خلال الأعوام الماضية، لاستعادة طابعها القديم وإحياء رونقها التراثي الأصيل، وفتح أبوابها أمام الزوار والسياح، حيث انتهت بالفعل عمليات ترميم العديد من المواقع فيها.
معالم تاريخيّة
كما تضم قائمة المعالم التاريخية الأخرى في إمارة رأس الخيمة «قلعة ضاية»، التي يعود تاريخها إلى أواخر العصر البرونزي، وتشكل الحصن الوحيد، الذي مازال مُتربعاً على قمة «تل» في دولة الإمارات، و«قلعة الفلية»، أحد المواقع التاريخية، التي جرى فيها توقيع معاهدة سلام بين شيوخ ساحل الخليج والحكومة البريطانية، عام 1820، ومتحف رأس الخيمة الوطني، الذي كان منزلاً للأسرة الحاكمة حتى مطلع ستينات القرن الماضي. وفي رأس الخيمة، بالتحديد عام 1421 م، وُلد الملاح الشهير أحمد بن ماجد، الذي اشتُهر بلقب «أسد البحار»، وكانت الإمارة في ذلك الوقت تُعرف باسم «جلفار».
علاقات تاريخيّة
وتتعاون دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة مع متحف القصر الإمبراطوري في بكين، وعدد من المتاحف الرئيسية في جمهورية الصين الشعبية، لدراسة مجموعة من المواقع الأثرية في الإمارة، وفي ضوء هذا التعاون، اكتُشفت العديد من المقتنيات الأثرية، التي عُرضت في معارض الآثار، في مدن صينية مختلفة.
وتكشف تلك الآثار والمُكتشفات، التي يعود تاريخها إلى عهد أسرة يوان، من 1271-1368 ميلادية، وجود علاقات تجارية تاريخية بين المنطقة وجمهورية الصين الشعبية، وتمّ العثور على قطع عدة من الخزف الصيني، ذي اللونين الأزرق والأبيض النادرين، والتي ترجع بتاريخها إلى عهد أسرة يوان، ويؤكد أستاذ في متحف القصر أنه لا يوجد سوى 300 قطعة تقريباً من هذا النوع في العالم.
العصر البرونزي
كما تتعاون الدائرة بشكل رئيسي مع جامعتي «جنوب ألاباما» و«كوينيبياك» الأمريكيتين، لدراسة عظام بشرية تعود إلى 4 آلاف عام، اكتُشفت في مقابر تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، بمنطقة شمل في رأس الخيمة، التي تحتضن أكبر مقبرة من العصر البرونزي في شبه الجزيرة العربية.
20 ألف قطعة أثرية
وسُجلت 20 ألف قطعة أثرية، تتنوع ما بين المقتنيات، التي تتعلق بالثقافة الإماراتية، والفخار والعملات والمعدات القتالية، ضمن قاعدة البيانات، التابعة لدائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة، خلال ال 30 عاماً الماضية، وأُجريت عملية «رقمنة» لجميع سجلات الحفريات والوثائق الأثرية بحلول العام 2022.
رقمنة أثرية
تعمل دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة على إنشاء نظام يختص بأفضل الممارسات، الُمتبعة للحفاظ على الآثار، ومن خلال تعاونها مع وزارة الثقافة والشباب في أبوظبي، تعمل الدائرة على رقمنة حوالي 100 قطعة أثرية من رأس الخيمة، وتجري إضافتها إلى خدمة تسجيل القطع والمواقع الأثرية.
معارض دولية
جرى تسليط الضوء على تاريخ رأس الخيمة العريق، خلال العديد من المعارض الدولية، مثل معرض الحضارات الآسيوية في بكين، والمعارض الدورية للآثار لدول مجلس التعاون الخليجي، في دولة الكويت. وأُعيرت العديد من القطع الأثرية، الُمكتشفة في رأس الخيمة، لمتحفي زايد الوطني، واللوفر- أبوظبي.
تحتفظ بمعالمها الرئيسية ومرافقها المتنوعة
«الجزيرة الحمراء القديمة».. نموذج نادر للتراث
تُجسد قرية الجزيرة الحمراء القديمة في رأس الخيمة نموذجاً مُتكاملاً ونادراً للتراث الإماراتي الأصيل، حيث تشكل قرية إماراتية تاريخية شاملة، لا تزال تحتفظ بمعالمها الرئيسية ومرافقها المتنوعة، وأحيائها «الفرجان»، ودروبها العتيقة «السكيك».
وخضعت «الجزيرة الحمراء القديمة» في رأس الخيمة لعملية صيانة شاملة، خلال الأعوام الماضية، وتُمثل بلدة متكاملة متخصصة في الغوص بحثاً عن اللؤلؤ وتجارته، ممتدة بموازاة ساحل الخليج العربي.
3 فرجان 453 منزلاً
وتضم القرية التراثية، وفقاً لعدد من أبناء قبيلة الزعاب، أهل القرية وقاطنيها سابقاً، 453 منزلاً، تتوزع ضمن 3 فرجان، هي فريج المناخ، وفريج المياني، وفريج الغربي، ويقدرون عمر القرية بنحو 200 عام، حداً أدنى، وفق بعض المعطيات، وتضم القرية حالياً 9 مساجد، ومصلى عيد، ومدرستين، وعيادة طبية.
شغف التُراث
وتضمّ «الجزيرة الحمراء القديمة» مُقومات مختلفة ومعالم ثرية من وجوه الحياة التراثية الإماراتية، والخليجية والعربية إجمالاً، التي يبحث الزائر عنها بشغف وحنين إلى الماضي ضمن قرية متكاملة وفريدة، حيث تضم قلعة، وبرج مراقبة، ومسجداً قديماً، وسوقاً تراثياً، وبيوتاً تقليديّة، بتصاميم متنوعة من الهندسة المعمارية الإماراتية القديمة.
بُيوت إماراتية
وتختلف البيوت في القرية الإماراتية التراثية وتتعدّد تصاميمها، بدءاً من المنازل الصغيرة والبسيطة، إلى البيوت التقليدية الواسعة، المكونة من طابقين، ثم البيوت الفسيحة، التي كان تجّار اللؤلؤ الأغنياء يقطنونها.
تُراث عُمراني
وشُيدت تلك البيوت على الطريقة التقليديّة للعمارة الإماراتية القديمة والأصيلة، باستخدام مواد محليّة، مثل الأحجار المرجانيّة والصخور الشاطئيّة المتحجّرة ومواد التسقيف، وجرى تدعيمها بعوارض خشبيّة مصنوعة من أشجار القرم وجذوع أشجار النخيل، كما زُيّنت بالحُصُر والحبال، واستخدمت طبقات من الأحجار الصدفيّة لتصريف المياه.
قائمة «يونسكو»
وأُدرجت «الجزيرة الحمراء القديمة» على القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي، الخاصة ب«يونسكو»، إذ تقف شاهداً حياً على الهندسة المعماريّة والتخطيط المدني التقليديَين في الشرق الأوسط.
وجهات سياحية بارزة
حظيت «قلعة ضاية بالإدراج ضمن القائمة الإرشادية المُؤقتة لمواقع التراث العالمي، وهي تُعد آخر القلاع المبنية على التلال في دولة الإمارات. ويعود تاريخها إلى العصر البرونزي المتأخر (1600 - 1300 قبل الميلاد) حين كان السكان المحليون يستخدمونها مستوطنةً وحصناً منيعاً.
بساتين النخيل
وشُيّدت القلعة، ذات القمة المزدوجة والمصنوعة من الطوب الطيني الذهبي، خلال القرن التاسع عشر، وجرى ترميمها أواخر تسعينيات القرن الماضي، وتشكل مَعلماً تاريخياً عريقاً، يتربع على تلّ ارتفاعه 70 متراً، وتحيط بها بساتين نخيل التمر وقمم جبل جيس حيث تشكل المحور المركزي للواحة الخصبة.
تضم قاعدة القلعة 12 مدفناً كبيراً من حقبة وادي سوق، التي يعود تاريخها بين 2000 و1300 قبل الميلاد، والطريق إلى قلعة ضاية صخري وغير متساوٍ.
0 تعليق