في عالم تتفاقم فيه الأزمات البيئية إلى درجة تمس جوهر الحياة على الأرض، لم تعد القضايا البيئية شأناً هامشياً أو مسألة مؤجلة، بل تحولت إلى ميدان يعيد رسم ملامح السلطة والقانون والسيادة. يقدم هذا الكتاب طرحاً فكرياً عميقاً يعيد مساءلة الأسس السياسية والقانونية التي يقوم عليها النظام العالمي، ويقترح تصوراً مختلفاً لطريقة الحكم على كوكب يعاني الاحتباس الحراري والانقراض المتسارع والانهيارات البيئية المتتالية.
ينطلق المؤلفان من قناعة بأن الدولة الحديثة، بما في ذلك إرثها الاستعماري وتشابكها مع أنماط الاستغلال الرأسمالي، كانت سبباً رئيسياً في تشكيل البنية التي أسهمت في تفاقم الأزمة البيئية، وأن المؤسسات الدولية التي نشأت ضمن هذه المنظومة ظلت عاجزة عن وقف تدهور المناخ أو حماية الغابات أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، لأنها تنطلق من تصوّر يضع الإنسان في مركز الكون، ويعامل الكائنات غير البشرية كأشياء قابلة للتملك والاستغلال.
ومن خلال هذا التشخيص، يتقدّم الكتاب بمقترح سياسي وقانوني جديد يُعيد تعريف العلاقة بين البشر والأرض، ويستند إلى مبدأ جوهري يقوم على حماية النظم البيئية ورعاية توازنها، وتوسيع مفهوم المواطنة ليشمل الكائنات التي تشارك الإنسان في هذا الكوكب، وتعزيز العدالة بين المجتمعات البشرية والمخلوقات الأخرى، والدعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي شامل لا يتوقف عند حدود الدولة أو الإنسان وحده.
يعيد المؤلفان النظر في معنى السيادة ويطرحان فهماً مغايراً لفكرة القانون والوكالة السياسية، ويعتبران أن أي تحول حقيقي يجب أن يقوم على أخلاقيات كوكبية تنظر إلى الحياة كمجموعة مترابطة من العناصر والمصائر، وتدعو إلى أن تكون المؤسسات السياسية أداة لحماية الأرض لا وسيلة للهيمنة عليها.
ويمضي الكتاب نحو الدفاع عن نمط حكم يتجاوز منطق التقنين التقليدي، ويقترح أن يشمل القانون الدولي حقوق الشعوب الأصلية، وأن يمنح للكائنات غير البشرية حيزاً من الاعتراف والتمثيل، وأن تتم إعادة هيكلة النظام العالمي ليصبح أكثر عدالة بيئية، وأشد حساسية تجاه توازنات الأرض.
كتابة قواعد اللعبة من جديد
يرسم هذا الكتاب الصادر في مايو/أيار 2025 عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالإنجليزية ضمن 306 صفحات بعنوان «السياسة البيئية: السلطة والقانون والأرض في عصر الأنثروبوسين»، أفقاً سياسياً وأخلاقياً يعيد للبيئة مركزيتها، ويمنح الطبيعة صوتاً داخل مؤسسات القرار، وهو بذلك يشكل دعوة فكرية واضحة لإعادة التفكير في شكل الدولة، وطبيعة القانون، ومفهوم المواطنة، وسبل البقاء المشترك في زمن صار فيه مستقبل الحياة مرهوناً بإعادة كتابة قواعد اللعبة من جديد.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء رئيسية. الجزء الأول يضع الأسس النظرية، حيث يعيد النظر في فكرة «الجسد السياسي» أو «العقد الاجتماعي». يقدّم نقداً لموروث هوبز ولوك وشميت، ويكشف كيف تسربت تصوراتهم عن السلطة والسيادة إلى القانون الدولي، وأسهمت في تحويل الأرض إلى مورد قابل للاستغلال. يعيد الكتاب تحليل مفاهيم مثل التمثيل، والملكية، والسلطة، ويقترح توسيع مفهوم المواطنة ليشمل الكائنات غير البشرية.
يتوقف المؤلفان في الفصل الثاني، عند مفارقة عميقة: الأرض، في عصر الأنثروبوسين، تُقسّم وتُطالب بها الدول، وكأنها سلعة، بينما تم تغييب الكائنات التي سكنت هذه الأرض قبل الإنسان بملايين السنين. وتمارس الدولة، في هذا السياق، نوع من الحظر على الطبيعة، تمنحها الاعتراف بوصفها مورداً، وتُنكر عليها حقها في الوجود السياسي.
من هنا، يقترح الكتاب نموذجاً بديلاً للعقد الاجتماعي، يُطلق عليه «العقد متعدد الأنواع». هذا النموذج يضع الطبيعة والكائنات الحية الأخرى في صلب الرؤية السياسية، ويمنحها موقعاً داخل منظومة الحقوق والواجبات. لا يعود الإنسان هو المركز الوحيد، بل يصبح جزءاً من شبكة معقّدة من العلاقات.
ويحلل الكتاب في الفصل الثالث، البنية القانونية التي صاغها الغرب الحديث حول مفاهيم السيادة والسيطرة على الموارد. يطرح الكتاب نقداً للمفاهيم القانونية التي تحولت إلى أدوات لإقصاء الشعوب الأصلية ونهب الأرض. يناقش كيف أصبح مفهوم «السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية» أداة لإدامة منطق الاستخلاص والاستغلال.
يتابع الكتاب في الفصل الرابع تحليل السلطة السياسية في ظل التغيرات البيئية. لا تعود السلطة حكراً على الدولة، بل يتم توزيعها عبر شبكات تضم البشر والكائنات والأنظمة البيئية والمؤسسات. تظهر الحاجة إلى نماذج جديدة من الحوكمة تقوم على التوزيع والعلاقات المتبادلة، وتُدرج الاعتبارات البيئية في قلب السياسة.
ويطرح الفصل الخامس، سؤالاً حاسماً مفاده: كيف يمكن تمثيل الكائنات غير البشرية سياسياً؟ يستند المؤلفان إلى نظريات ما بعد الإنسان، ويقترحان دمج النظم البيئية في صلب المؤسسات السياسية، وتوسيع مفهوم الديمقراطية ليشمل غير البشر، ليس من باب الرأفة، بل من باب الاعتراف بالترابط الوجودي.
السياسات البيئية العالمية
ينتقل الجزء الثاني من الكتاب إلى السياسات البيئية العالمية. يناقش اتفاقيات التنوع البيولوجي وتغير المناخ، ويكشف عن مفارقة أن هذه الاتفاقيات، رغم نواياها المعلنة، ما زالت تخضع لمنطق السيادة القومية والمصالح الاقتصادية. تُظهر التحليلات أن كثيراً من نصوص هذه الاتفاقيات تحوّل الطبيعة إلى «مورد» لا إلى شريك في الوجود.
ينتقد الفصل السادس أيضاً القانون الدولي للبحار، ويحلل كيف يتم استخدام المفاهيم السيادية لتبرير الاستغلال المنظم للموارد البحرية. تظهر المفارقة في أن المواثيق القانونية نفسها التي يُفترض أن تحمي البيئة تسهم في تدمير النظم البيئية.
أما الفصل السابع، فيطرح سؤالاً عن مفهوم «المقياس» في السياسات المناخية: كيف نفهم حركة الظواهر المناخية، من الفيروسات إلى الأعاصير؟ وكيف يمكن للدول أن تخطط لمواجهة الكوارث من دون أن تعيد إنتاج نفس الهياكل التي خلقت المشكلة؟ يدعو المؤلفان إلى اعتماد منظور أكثر تكاملاً، يأخذ في الحسبان الترابط الكوكبي بين البشر والطبيعة.
يعود الفصل الثامن إلى تخيّل العقد الاجتماعي من جديد، لكنه هذه المرة يربطه بنقد جذري للعنصرية البيئية، وللموروث الاستعماري، ويقترح عقداً جديداً عابراً للأنواع، يدمج البشر والكائنات والطبيعة في رؤية موحدة للعدالة.
ويقدّم الفصل الأخير خلاصة مفتوحة، ويقترح تصورات بديلة للديمقراطية، والسيادة، والملكية، والاقتصاد، ويؤكد أن حماية الكوكب لا تتطلب فقط أدوات تقنية، بل تغييراً عميقاً في المنظومات المعرفية التي حكمت علاقة الإنسان بالأرض.
يشكّل الكتاب نداءً فلسفياً وسياسياً من أجل إعادة تخيّل العالم من منظور بيئي واسع يرى في الأرض كياناً حيّاً يستحق العدالة، والرعاية، والتمثيل.
ينطلق المؤلفان من قناعة بأن الدولة الحديثة، بما في ذلك إرثها الاستعماري وتشابكها مع أنماط الاستغلال الرأسمالي، كانت سبباً رئيسياً في تشكيل البنية التي أسهمت في تفاقم الأزمة البيئية، وأن المؤسسات الدولية التي نشأت ضمن هذه المنظومة ظلت عاجزة عن وقف تدهور المناخ أو حماية الغابات أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، لأنها تنطلق من تصوّر يضع الإنسان في مركز الكون، ويعامل الكائنات غير البشرية كأشياء قابلة للتملك والاستغلال.
ومن خلال هذا التشخيص، يتقدّم الكتاب بمقترح سياسي وقانوني جديد يُعيد تعريف العلاقة بين البشر والأرض، ويستند إلى مبدأ جوهري يقوم على حماية النظم البيئية ورعاية توازنها، وتوسيع مفهوم المواطنة ليشمل الكائنات التي تشارك الإنسان في هذا الكوكب، وتعزيز العدالة بين المجتمعات البشرية والمخلوقات الأخرى، والدعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي شامل لا يتوقف عند حدود الدولة أو الإنسان وحده.
يعيد المؤلفان النظر في معنى السيادة ويطرحان فهماً مغايراً لفكرة القانون والوكالة السياسية، ويعتبران أن أي تحول حقيقي يجب أن يقوم على أخلاقيات كوكبية تنظر إلى الحياة كمجموعة مترابطة من العناصر والمصائر، وتدعو إلى أن تكون المؤسسات السياسية أداة لحماية الأرض لا وسيلة للهيمنة عليها.
ويمضي الكتاب نحو الدفاع عن نمط حكم يتجاوز منطق التقنين التقليدي، ويقترح أن يشمل القانون الدولي حقوق الشعوب الأصلية، وأن يمنح للكائنات غير البشرية حيزاً من الاعتراف والتمثيل، وأن تتم إعادة هيكلة النظام العالمي ليصبح أكثر عدالة بيئية، وأشد حساسية تجاه توازنات الأرض.
كتابة قواعد اللعبة من جديد
يرسم هذا الكتاب الصادر في مايو/أيار 2025 عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالإنجليزية ضمن 306 صفحات بعنوان «السياسة البيئية: السلطة والقانون والأرض في عصر الأنثروبوسين»، أفقاً سياسياً وأخلاقياً يعيد للبيئة مركزيتها، ويمنح الطبيعة صوتاً داخل مؤسسات القرار، وهو بذلك يشكل دعوة فكرية واضحة لإعادة التفكير في شكل الدولة، وطبيعة القانون، ومفهوم المواطنة، وسبل البقاء المشترك في زمن صار فيه مستقبل الحياة مرهوناً بإعادة كتابة قواعد اللعبة من جديد.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء رئيسية. الجزء الأول يضع الأسس النظرية، حيث يعيد النظر في فكرة «الجسد السياسي» أو «العقد الاجتماعي». يقدّم نقداً لموروث هوبز ولوك وشميت، ويكشف كيف تسربت تصوراتهم عن السلطة والسيادة إلى القانون الدولي، وأسهمت في تحويل الأرض إلى مورد قابل للاستغلال. يعيد الكتاب تحليل مفاهيم مثل التمثيل، والملكية، والسلطة، ويقترح توسيع مفهوم المواطنة ليشمل الكائنات غير البشرية.
يتوقف المؤلفان في الفصل الثاني، عند مفارقة عميقة: الأرض، في عصر الأنثروبوسين، تُقسّم وتُطالب بها الدول، وكأنها سلعة، بينما تم تغييب الكائنات التي سكنت هذه الأرض قبل الإنسان بملايين السنين. وتمارس الدولة، في هذا السياق، نوع من الحظر على الطبيعة، تمنحها الاعتراف بوصفها مورداً، وتُنكر عليها حقها في الوجود السياسي.
من هنا، يقترح الكتاب نموذجاً بديلاً للعقد الاجتماعي، يُطلق عليه «العقد متعدد الأنواع». هذا النموذج يضع الطبيعة والكائنات الحية الأخرى في صلب الرؤية السياسية، ويمنحها موقعاً داخل منظومة الحقوق والواجبات. لا يعود الإنسان هو المركز الوحيد، بل يصبح جزءاً من شبكة معقّدة من العلاقات.
ويحلل الكتاب في الفصل الثالث، البنية القانونية التي صاغها الغرب الحديث حول مفاهيم السيادة والسيطرة على الموارد. يطرح الكتاب نقداً للمفاهيم القانونية التي تحولت إلى أدوات لإقصاء الشعوب الأصلية ونهب الأرض. يناقش كيف أصبح مفهوم «السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية» أداة لإدامة منطق الاستخلاص والاستغلال.
يتابع الكتاب في الفصل الرابع تحليل السلطة السياسية في ظل التغيرات البيئية. لا تعود السلطة حكراً على الدولة، بل يتم توزيعها عبر شبكات تضم البشر والكائنات والأنظمة البيئية والمؤسسات. تظهر الحاجة إلى نماذج جديدة من الحوكمة تقوم على التوزيع والعلاقات المتبادلة، وتُدرج الاعتبارات البيئية في قلب السياسة.
ويطرح الفصل الخامس، سؤالاً حاسماً مفاده: كيف يمكن تمثيل الكائنات غير البشرية سياسياً؟ يستند المؤلفان إلى نظريات ما بعد الإنسان، ويقترحان دمج النظم البيئية في صلب المؤسسات السياسية، وتوسيع مفهوم الديمقراطية ليشمل غير البشر، ليس من باب الرأفة، بل من باب الاعتراف بالترابط الوجودي.
السياسات البيئية العالمية
ينتقل الجزء الثاني من الكتاب إلى السياسات البيئية العالمية. يناقش اتفاقيات التنوع البيولوجي وتغير المناخ، ويكشف عن مفارقة أن هذه الاتفاقيات، رغم نواياها المعلنة، ما زالت تخضع لمنطق السيادة القومية والمصالح الاقتصادية. تُظهر التحليلات أن كثيراً من نصوص هذه الاتفاقيات تحوّل الطبيعة إلى «مورد» لا إلى شريك في الوجود.
ينتقد الفصل السادس أيضاً القانون الدولي للبحار، ويحلل كيف يتم استخدام المفاهيم السيادية لتبرير الاستغلال المنظم للموارد البحرية. تظهر المفارقة في أن المواثيق القانونية نفسها التي يُفترض أن تحمي البيئة تسهم في تدمير النظم البيئية.
أما الفصل السابع، فيطرح سؤالاً عن مفهوم «المقياس» في السياسات المناخية: كيف نفهم حركة الظواهر المناخية، من الفيروسات إلى الأعاصير؟ وكيف يمكن للدول أن تخطط لمواجهة الكوارث من دون أن تعيد إنتاج نفس الهياكل التي خلقت المشكلة؟ يدعو المؤلفان إلى اعتماد منظور أكثر تكاملاً، يأخذ في الحسبان الترابط الكوكبي بين البشر والطبيعة.
يعود الفصل الثامن إلى تخيّل العقد الاجتماعي من جديد، لكنه هذه المرة يربطه بنقد جذري للعنصرية البيئية، وللموروث الاستعماري، ويقترح عقداً جديداً عابراً للأنواع، يدمج البشر والكائنات والطبيعة في رؤية موحدة للعدالة.
ويقدّم الفصل الأخير خلاصة مفتوحة، ويقترح تصورات بديلة للديمقراطية، والسيادة، والملكية، والاقتصاد، ويؤكد أن حماية الكوكب لا تتطلب فقط أدوات تقنية، بل تغييراً عميقاً في المنظومات المعرفية التي حكمت علاقة الإنسان بالأرض.
يشكّل الكتاب نداءً فلسفياً وسياسياً من أجل إعادة تخيّل العالم من منظور بيئي واسع يرى في الأرض كياناً حيّاً يستحق العدالة، والرعاية، والتمثيل.
0 تعليق