رذاذ المياه يختبر آليات موت الأشجار في غابة سويسرية

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خضم موجة حرّ شهدها أواخر الربيع، رشّت فوهات مثبّتة على سقالات رذاذاً من الماء على قمم نحو ستين شجرة صنوبر بري يبلغ ارتفاعها نحو خمسة عشر متراً، في منطقة فاليه السويسرية.


هذا الاختبار الذي أجرته المؤسسة الفيدرالية لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية (WSL) والمدرسة البوليتكنيكية الفيدرالية في لوزان (EPFL)، تجربة فريدة من نوعها على مستوى العالم تهدف إلى فصل تأثيرات جفاف التربة عن تأثيرات جفاف الهواء في منظومة غابات بيئية طبيعية هي غابة فانج التي تشكل إحدى أكبر غابات الصنوبر الألبية.


تقول شارلوت غروسيّور، مديرة المشروع، لوكالة «فرانس برس»: «ليس الهدف رشّ الغابات لإنقاذها، بل فهم سبب التأثير الكبير لنقص المياه في الغلاف الجوي عليها».


ومن الأهداف الأخرى لهذا الاختبار، فهم آليات موت الأشجار بشكل أفضل، لأنها تُشكل أساس النماذج المناخية «التي تتيح لنا تقدير تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي»، وهو أحد الغازات الدفيئة التي تؤدي دوراً رئيسياً في ظاهرة الاحترار المناخي، وفق الأستاذة في علم البيئة النباتية.


ويهدف المشروع أيضاً إلى المساعدة في وضع استراتيجيات إدارة الغابات واختيار أنواع الأشجار المستقبلية، خصوصاً مع تزايد فصول الصيف الجافة في سويسرا خلال السنوات الأخيرة.


وبحسب أرقام تقديرية حديثة صادرة عن المكتب الفيدرالي للبيئة، تنخفض إلى 25% نسبة هطل الأمطار خلال الصيف مع حلول عام 2026، وستستمر فترات الجفاف لمدة أطول عموماً.


تُتيح التجارب في غابة فانج قياس معدل موت الأشجار وتأثيره على التنوع البيولوجي، للتنبّؤ بشكل أفضل بتوقيت تأثر مناطق أخرى، وفق جوفاني بورتولامي، أحد الباحثين.


تقع غابة فانج التي يبلغ علوّها 615 متراً ومحاطة بجبال الألب وتضم آلاف الأشجار المعمرة، بالقرب من نهر الرون في واحدة من أكثر المناطق حرّاً وجفافاً في سويسرا، مما يوفر ظروفاً مثالية للباحثين.

عامل مقلق


في هذه الغابة، يدرس الباحثون منذ 2003 تدهور وضع أشجار الصنوبر البرية الناجم عن جفاف التربة. وتُروى أجزاء من الغابة، بينما تعمل ألواح من «البليكسيغلاس» على التقاط كمية من مياه الأمطار.


ظهرت منذ العام الفائت أنظمة الرذاذ لدراسة جفاف الهواء، لأنّ التغير المناخي يظهر من خلال عامل بيئي مقلق آخر هو زيادة «عطش الهواء».


يقول بورتولامي «تخيّلوا كوباً من الماء في الصحراء وآخر في الغابة المطيرة في ظل درجة الحرارة نفسها. يفرغ الأول بسرعة كبيرة».


ويضيف الباحث المتخصص في الفيسيولوجيا البيئية للنباتات أنّ «الأمر نفسه ينطبق على الأشجار التي ستفقد كميات أكبر بكثير من الماء إذا كان الهواء أكثر جفافاً، ونتيجة لذلك، ستستهلك مياه التربة بسرعة أكبر».


ثُبّت في غابة الصنوبر 18 برجاً من السقالات مزوّدة بسلالم حول الأشجار. تعمل فوهات الضغط العالي على نشر بخار الماء في جزء من غطاء الشجرة خلال النهار لتقليل «عطش الهواء» بنسبة 20 إلى 30% تقريباً.


ثم يقارن الباحثون البيانات بالأشجار التي لم تتلقَّ هذا البخار المنقذ.


تنتشر على أراضي الغابة كابلات سميكة، تربط أجهزة استشعار متصلة بالأشجار لقياس قطر الجذوع وتدفق النسغ، وهو مؤشر إلى الإجهاد المائي. ويجري الباحثون أيضاً قياسات مباشرة في الموقع كل شهر.


وتشير النتائج الأولية للتجربة المستمرة إلى 2028 إلى أن نقص الماء في التربة يُسرّع عملية موت الأشجار، وهي نتيجة كان يتوقّعها الباحثون.


تقول غروسيور «من ناحية أخرى، لاحظنا أنّ جفاف الجو، يُبطئ عملية الموت التدريجي بدل تسريعها. وهذا ما أدهشنا»، موضحة أنّ القياسات تُظهر أنه مع قلة المياه في الجو، تُغلق الأشجار مسامها للحفاظ على مواردها المائية.ً لـ«آليات التأقلم» هذه حدود واضحة أصلاً في غابة فانج، كما هو الحال في وديان جافة أخرى في جبال الألب: تموت أشجار الصنوبر البري وتحل محلها أشجار البلوط الصغيرة التي لا يزيد طول بعضها عن طول الطفل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق