نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعوديون ومستقبل الشرق الأوسط, اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 01:19 صباحاً
عادت الطائرات إلى ثكناتها، والخطط للأدراج. والخرائط لم تعد على الطاولة. صور الأقمار الصناعية تبعث بالسعادة للبعض. وتؤلم البعض الآخر. تبخر حلم السنين في طهران. إنها ضربة موجعة. وخنجر في الخاصرة.
قبل ذلك بأيام، عاش العالم على وقع إيقاف الحرب. قرار جاء من واشنطن. سيد البيت الأبيض أعلنها. قال دمرت نووي إيران، وأوقفت الحرب، وجنبت المنطقة كارثة محتملة. يحب دونالد ترامب لغة الأنا كثيرا. وله الحق، لكن اللافت تأكيده على أن الحرب توقفت، لم يقل توقف إطلاق النار.
وبين الحالتين فرق كبير. ما هو؟ وقف الحرب يستوجب قرارا صارما لا يقبل العودة لها. ويفترض تنازلات بعضها واضح والآخر خفي. أما وقف إطلاق النار يعني أنه يمكن أن تشتعل الأمور مجددا. حسب الظروف والمعطيات بطبيعة الحال. ما تفسير ذلك؟ أنه استطاع فرض رأيه على الطرفين، إيران وإسرائيل.
للدخول لقصتي هذا اليوم، بالضرورة النظر إلى زيارة المبعوث الأمريكي لسوريا توم بارك للسعودية قبل أيام. التقى الرجل وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، بحثا دعم سوريا الجديدة. أعتقد أن هناك انفتاحا وتطابقا سعوديا - أمريكيا، حيال الملف السوري.
والمملكة والولايات المتحدة الأمريكية، يجوز القول إنهما تنظران النظرة ذاتها لسوريا، كيف؟ الرياض تريد عودة سوريا لعروبتها، ونفض غبار الأسدين، الأب والابن، اللذين قادا عاصمة الأمويين نحو الزاوية البعيدة. لا أريد تسمية تلك الجهة. ولا تسعى المملكة في سياستها الحديثة للبحث عن نفوذ أو موطئ قدم. يهمها إخراج المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية. والولايات المتحدة تريد الرغبات ذاتها. فإدارة ترامب تحرص على إرضاء الرياض - وهذه ورقة لا يستهان بها -، كون البلدين شريكين استراتيجيين منذ أكثر من مئة عام. ما الدليل؟ قبول ترامب بالسياسيين الجدد في دمشق، أعني أحمد الشرع وفريقه. وهذا لن يتم دون غطاء سياسي سعودي.
لكن ذلك لا يعني أن أمريكا لا تملك بعضا من الأهداف الخاصة، التي تحقق مصالحها الخاصة. مثل؟ ملء الفراغ الروسي، ليس من ناحية البحث عن المنافذ البحرية، بل حتما لجلب الاستثمارات. فنحن أمام رئيس يعتبر رجل أعمال في المقام الأول؛ أكثر من أنه سياسي. يهمنا أن الاستثمار سيعود دون أدنى شك على السوريين بمصالح كبرى.
على ذكر روسيا، فمن المناسب النبش في جروحها. فروسيا لديها عقدة جغرافية، تتمحور حول افتقارها المتنفسات بحرية، تناسب تكوينها الجيوسياسي. فرغم مساحتها الكبيرة، إلا أنها تعاني من حصار بحري قاتل، بمعنى أنها لا تملك إطلالات بحرية يمكن الاعتماد عليها. والبحار متنفس كبير يعتمد عليه الاقتصاد والتصدير والاستيراد، لذا كانت سوريا خيارا لها في مرحلة زمنية معينة.
أعود للحديث عن فكرة التطابق السعودي الأمريكي بالنسبة لدمشق. أستطيع أن أجمل بأن الرياض وواشنطن تتفقان على ضرورة أن تتعلق دمشق بمشروع التنمية العربي الكبير، الذي تقوده السعودية.
وصراحة المبعوث الأمريكي لسوريا توم بارك، خلال تصريحات صحافية، حين عدّ النمو الذي تشهده السعودية مثالا رائعا على التطور، لم تكن اعتباطية أو مجاملة، بل إشارة إلى قناعة أمريكية سياسية، بأن السعودية هي النموذج المتفرد بالمنطقة، الذي يستحق أن يتحذى به، باعتباره يحقق تطلعات الشعوب ويؤمن لها العيش الكريم، ويبتعد عن النزاعات والخصومات، التي تنتهي بالحروب، في جزء يعد أهم الزوايا الجغرافية بالنسبة للعالم، نظير امتلاكها الطاقة بأصنافها كافة.
وذا يعود إلى الاتزان السعودي الذي تمارسه في سياستها مع الجميع دون محاباة أو تقديم تنازلات لكسب مساندة من أحد. فقد حافظت الرياض على المعايير التي تضمن استقرار علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، خلال فترة حكم جو بايدن، الذي استدار بالتكيف السعودي الأمريكي نحو السوء، في تأكيد على جهل سياسي وتخبط، أسهم بتعقيد خيوط اللعبة بالمنطقة.
والصبر الاستراتيجي السعودي خلق تصورا عاما حول أن سياسة ما يسمون بـ»الصقور»، وهو اللقب المطلق على الجمهوريين في أمريكا، متناسبة إلى حد كبير مع نموذج الرياض. وبصراحة هذا ضرب من الخيال. إذ إن المملكة يمكن لها التكيف مع أي حزب أو شخص ارتضى به شعبه. وما يخالف هذه الرؤية يدخل في حسابات الأحزاب التي طالما افتعلت الخصومات ومررت أفكارها، عبر التسويف الإعلامي الذي يدعي النزاهة، وهو أبعد ما يكون عنها، وتلك قصة أخرى لا أريد الخوض فيها.
إن الأفكار التنموية الحديثة التي تنفذها السعودية لصالح شعبها، وانتقلت مع الوقت عدواها للشرق الأوسط، هي السبيل لتطهير المنطقة من الرجعية والتخلف الراديكالي، والوقوف أمام من يمكن اعتبارهم تجار حرب، بعيدا عن أشكالهم وتصنيفاتهم ودياناتهم.لقد عانى المحيط القريب من الاقتتال وإزهاق الأرواح. يجب أن يتنفس. آن للأمهات أن يرين فلذات أكبادهن في الجامعات لا محمولين على النعوش.
المقابر لم تعد تتسع للمزيد. المدرسة جميلة، والمقبرة لعينة.
تلك تفسيراتي الخاصة. أما ما فهمته من ذاك الأشقر الذي جاء للمملكة، وقال جملته الشهيرة. فإن مستقبل المنطقة والشرق الأوسط.. يبدأ من السعودية
0 تعليق