جازان بين نافذة الفرص ومرآة الوعي

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جازان بين نافذة الفرص ومرآة الوعي, اليوم الأحد 22 يونيو 2025 12:34 صباحاً

في بلد الخيرات، المملكة العربية السعودية، تتوافر الفرص وتتدفق الموارد في كل مكان، لكن الاستفادة منها تختلف من منطقة لأخرى. فحين نتأمل خريطة الأثرياء السعوديين، نجد أن معظم المناطق أنجبت من استطاع استغلال الطفرات الاقتصادية وصعد نحو قمة الهرم المالي. إلا أن المفارقة الأوضح تتجلى في منطقة جازان، ذات الكثافة السكانية الأعلى التي تقابلها عكسيا الكثافة المالية الأدنى، حيث لا ينعكس ذلك في متوسط دخل الفرد أو في حضوره ضمن المشهد الاستثماري والإنتاجي، رغم وفرة الفرص والموارد.

والمفارقة الأهم أن المنطقة اليوم تقف على أعتاب مرحلة جديدة واعدة، بمشاريع نوعية وتحولات اقتصادية كبيرة، تشكل فرصا ذهبية يجب أن تحتضن وتستثمر لا أن تترك تمر كما مرت سابقاتها. ما يحدث اليوم يمكن أن يكون بداية مختلفة، إذا تغير الأداء تجاه الفرص وتغير الفكر الذي يتعامل معها.

يعرف أبناء جازان بالكفاءة والانضباط في العمل الوظيفي في كل مؤسسات الدولة والشركات، لكن حين يتعلق الأمر بالريادة أو الإنتاج أو اقتناص الفرص، يظهر نوع من التوجس والتردد، ويرتفع صوت خطاب المظلومية «الفرص محصورة»، «لا نملك رأس مال»، «الظروف ضدنا». ويشكل هذا الخطاب نمطا من البرمجة الذاتية السلبية، حيث يقنع الفرد نفسه بعجزه قبل أن يحاول، ويحيط قدراته بجدران وهمية تردعه عن أي مبادرة.

هذا التراجع ليس وليد الصدفة، بل ناتج عن ثقافة جمعية تميل إلى الاستقرار والخوف من التغيير، حيث تُكافأ الطاعة ويُثبط الطموح، ويترسخ ما يسمى بالضبط الخارجي، إذ يرى الفرد أن النجاح أو الفشل مرتبط بعوامل خارجة عن إرادته. كما تفتقر العائلات في الغالب إلى الانسجام المهني، فنادرا ما تجد تخصصات وأنشطة مهنية متقاربة داخل الأسرة، مما يضعف البيئة الحاضنة للتطور والدعم المهني.

ومن مظاهر الأزمة كذلك غياب ثقافة المبادرة، فكل من يخطو خطوة للأمام يواجه بموجة من الإحباط والتصيد والتشفي، وفي أفضل الأحوال لا يجد دعما ماديا ولا معنويا يُمكنه من الاستمرار، بينما تنجح كثير من المشاريع في المنطقة عندما تنفذها أيادٍ من أشقائهم أبناء المناطق الأخرى، ويرون فيها أرض الفرص، وينجحون رغم البعد المكاني.

الحل يبدأ من إعادة تشكيل الذهنية، عبر ترسيخ الإيمان بالقدرة الذاتية وتنمية الحس بالفرص وتحفيز روح المبادأة منذ الطفولة، مع ضرورة تحويل الخطاب الاجتماعي من التبرير إلى التمكين، بحيث يُحمل الفرد مسؤولية موقعه دون إنكار التحديات، بل بإعادة تقييمها بعقلانية.

وليست المشكلة في ندرة الفرص، بل في ضعف الجاهزية لاستثمارها. ولعل أول خطوة نحو التغيير أن ينظر أبناء المنطقة في المرآة لا في النوافذ، ويسأل كل منهم نفسه: كم فرصة عبرت أمامي، ولم أكن مستعدا لاقتناصها؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق