«الجامي» و«اليَقط» و«الخلاصة».. مذاقات من الذاكرة الإماراتية

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: سارة المزروعي

في عمق التراث الإماراتي، تحتفظ بعض الأطباق التقليدية بحضورها، ليس كأطعمة تُقدّم على الموائد فحسب؛ بل بصفتها رموزاً ثقافية تعبّر عن البساطة والاعتماد على خيرات البيئة المحلية.

وتمتزج في هذه الأكلات نكهات الماضي بروح الجدات وصوت الحكايات التي توارثتها العائلات، لتبقى شاهداً على مهارة الأيدي وصبر التحضير في زمن لم يعرف الوفرة، لكنه عرف الاكتفاء.

وعلى الرغم من تحوّلات الحياة وتعدد البدائل الحديثة، لا تزال هذه الأصناف حاضرة بقوة في البيوت الإماراتية، لا سيما في المواسم والمناسبات التراثية، حيث تعود العائلات إلى وصفات الأمهات والجدات، وكأنها تعيد وصل ما انقطع بين الحاضر والماضي. فهي ليست مجرد أطباق تُحضر؛ بل صفحات حية من ذاكرة الوطن، تؤكد أن النكهة الأصيلة لا تصنعها المكونات وحدها؛ بل ينبع سحرها من الحب والدفء المتجذر في البيوت القديمة.

مائدة الصباح

«الجامي» أحد أبرز ملامح الفطور التقليدي الإماراتي، ويُعد من الأجبان القديمة التي صُنعت بإبداع من حليب الماعز أو الأبقار بعد تخميره بطريقة طبيعية. هذا المنتج البسيط يعكس براعة الأمهات في تحضير غذاء غني بالفوائد من موارد متوفرة، في بيئات لم تكن تتوفر فيها وسائل التبريد الحديثة.

يتميّز«الجامي» بقوامه المتماسك ونكهته المتوازنة التي تجمع بين الملوحة والنعومة، ويقدّم غالباً بارداً إلى جانب التمر أو الرطب، وأحياناً مع القليل من السمن العربي، ما يُعطيه طابعاً دافئاً وعميقاً في النكهة. لم يكن مجرد طعام؛ بل تقليد يومي يعكس روح الاعتماد على الذات، ويُحضر غالباً في الصباح أو العصر، خاصة في فصل الصيف حين يُفضّل الطعام الخفيف والمنعش.

مزيج الطيب من بقايا السمن

يرتبط «الجامي» في كثير من الأحيان، عند توفره، بمكون شعبي يُعرف بـ«الخلاصة»، وهي واحدة من أبرز أمثلة الاستفادة الكاملة من مكونات المطبخ الإماراتي. تُحضَّر الخلاصة من بقايا تحمير السمن الإماراتي، حيث تمتزج نكهة السمن المكرمل مع آثار الطحين والتوابل كالكركم والكمون، لتنتج مزيجاً عطرياً غنيّاً بالمذاق والذكريات. وعند تقديم الجامي، تُسكب الخلاصة فوقه مع قليل من السمن، فيتحول الطبق إلى تجربة نكهة تجمع بين ملوحة الجبن ودفء البهارات، ما يجعله من الأطباق المحببة في الفطور أو جلسات العصر في البيوت التراثية.

عملية دقيقة

أما «اليَقط»، أو ما يُعرف أيضاً بالأقط، فهو يعتبر منتج ألبان إماراتي آخر بعدما يبرد ويجف، كان ولا يزال يُستخدم وسيلة لحفظ اللبن الفائض بعد انتهاء موسم الحليب، يتم تحضيره من لبن الضأن أو الماعز، عبر عملية دقيقة تبدأ بتخمير الحليب طبيعياً، ثم يُطهى على نار هادئة لفترة طويلة، ويُقلَّب باستمرار حتى يتكاثف ويُفقد معظم مياهه، من دون أن يحترق.

بعد تبريده، يُشكّل «اليَقط» إلى كرات أو أقراص صغيرة، ثم تُترك لتجف تحت أشعة الشمس لعدة أيام ويتميز بملوحته الشديدة، ما يجعله صالحاً للتخزين الطويل، يؤكل بمفرده أو مع التمر، وغالباً ما يُحفظ لاستخدامه في فترات الندرة أو أثناء السفر، كونه غنياً بالقيمة الغذائية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق