لبنان خمسون عاما من التناسي

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان خمسون عاما من التناسي, اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025 09:32 مساءً

اتصل بي صديق عزيز من بيروت لتهنئتي بعيد الفطر ودعاني إلى حضور فعاليات في الجامعة الأمريكية في بيروت بمناسبة مرور خمسين عاما على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990)، تحت عنوان (خمسون عاما من التناسي)، وذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، والجمعيات الطلابية، وفنانين، وناشطين. تهدف هذه المبادرة إلى كسر الصمت المستمر منذ عقود حول إحدى أكثر المحطات تأثيرا وتدميرا في تاريخ لبنان الحديث، فشكرته على تلك الدعوة الكريمة واعتذرت عن عدم الحضور لانشغالي ولأن الحظر على سفر السعوديين إلى لبنان لا يزال ساريا.

في الثالث عشر من أبريل عام 1975، كان لبنان على موعد مع اندلاع حرب أهلية مدمرة، حيث لعبت الفصائل الفلسطينية وقتها دورا محوريا في إشعال فتيل الصراع. اليوم، وبعد خمسين عاما، يواجه لبنان تحديات جديدة، مع تغير اللاعبين الرئيسيين على الساحة. حزب الله، الذي أصبح قوة سياسية وعسكرية بارزة، يثير تساؤلات حول إمكانية اندلاع حرب أهلية جديدة، ولكن هذه المرة مع اختلاف المفجرين.

كان والدي رحمه الله يدرس في بيروت في أوائل السبعينات الميلادية، وكان يتذكر الأجواء التي سبقت اندلاع الحرب، حيث كانت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، تتمتع بنفوذ كبير في لبنان. هذا النفوذ جاء نتيجة النزوح الفلسطيني بعد نكبة 1948 ونكسة 1967، وتفاقم مع توقيع اتفاق القاهرة عام 1969، الذي منح الفلسطينيين حرية العمل العسكري في لبنان. أدى هذا الوضع إلى تصاعد التوترات بين الفلسطينيين والمسيحيين الموارنة، الذين رأوا في هذا النفوذ تهديدا لسيادتهم.

كانت الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية والميليشيات المسيحية، مثل الكتائب والقوات اللبنانية، بمثابة الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية. ومع مرور السنوات زاد تدخل القوى الإقليمية والدولية، فتحول لبنان إلى ساحة صراع مفتوحة، حيث تداخلت المصالح المحلية مع الأجندات الخارجية تلك الحرب التي أودت بحياة أكثر من 120 ألف شخص،

على الرغم من انتهاء الحرب رسميا باتفاق الطائف عام 1990، إلا أن لبنان لم يتمكن من تجاوز آثارها بالكامل. فقد تبنت الدولة سياسة النسيان الرسمي، متجاهلة الحاجة إلى العدالة الانتقالية وتوثيق الحرب. هذا التجاهل ساهم في استمرار الانقسامات الطائفية والسياسية، مما جعل البلاد عرضة لأزمات متكررة.

بعد أكثر من خمسة وثلاثين عاما على اتفاق الطائف ونهاية الحرب في ظل الأوضاع الراهنة، يتساءل الكثيرون عن إمكانية اندلاع حرب أهلية جديدة، خاصة مع تصاعد دور حزب الله في المشهد السياسي والعسكري اللبناني. حزب الله، الذي تأسس في الثمانينات كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، أصبح اليوم قوة سياسية وعسكرية مؤثرة، مما أثار جدلا واسعا حول دوره وتأثيره في السيادة اللبنانية، خاصة مع إصراره على الاحتفاظ بسلاحه خارج إطار الدولة اللبنانية رغم الضربات الإسرائيلية القوية في الأشهر الماضية، والتي أودت بحياة أمينه العام وعدد من قيادات الصف الأول والثاني، إلا أنه ما زال يشكل تهديدا للاستقرار الداخلي. فالتوترات بين الحزب والأطراف السياسية الأخرى، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية، قد تؤدي إلى تصعيد خطير. كما أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها لبنان تزيد احتمالية اندلاع صراع داخلي.

السؤال هنا: هل من الممكن استحضار ظروف 1975 في عام 2025؟ على الرغم من اختلاف السياقات التاريخية والسياسية، إلا أن هناك أوجه تشابه بين دور الفصائل الفلسطينية في السبعينيات ودور حزب الله اليوم. في كلتا الحالتين أدى وجود قوة مسلحة خارج إطار الدولة إلى تصاعد التوترات الداخلية. كما أن التدخلات الخارجية أدت دورا كبيرا في تأجيج الصراعات.

لكن هناك أيضا اختلافات جوهرية. في السبعينيات كانت الفصائل الفلسطينية تمثل قضية قومية تتعلق بحق العودة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي. أما حزب الله فيُنظر إليه كجزء من محور إقليمي يمتد من إيران إلى سوريا، مما يجعله جزءا من صراع أوسع يتجاوز حدود لبنان، ومع سقوط الورقة السورية مؤخرا وزيادة الضغط على حزب الله داخليا وخارجيا فإن لبنان قد يواجه خطر العودة إلى دوامة العنف. ومع ذلك، فإن هناك جهودا دولية ومحلية تسعى لمنع هذا السيناريو، من خلال تعزيز الحوار الوطني وتطبيق القرارات الدولية مثل القرار 1701 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات فهل يحتاج لبنان إلى اتفاق الطائف (2)؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في المقال القادم بإذن الله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق