تحقيق: أمير السني
لجأ عدد من أولياء الأمور إلى الدروس الخصوصية لتحسين مستويات أبنائهم في المواد العلمية لضمان تحقيق أعلى الدرجات التي صارت المعيار الجديد بدلاً من المعدل العام كونه شرطاً لدخول الجامعات.
وأكد تربويون أن هذا الوضع، يفتح الباب واسعاً لسوق الدروس الخصوصية، بسبب الطلب المتزايد على تدريس المواد العلمية، خاصة المواد التي تتطلب فهماً عميقاً مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، وهذا الاتجاه قد يؤدي إلى مشكلات أخرى، مثل عدم تكافؤ الفرص بين الطلاب الذين يستطيعون تحمل كلف الدروس الخصوصية وأولئك الذين لا يستطيعون.
ودعوا إلى دور أكبر للمدارس في المرحلة المقبلة، من ذلك تدريب المعلمين المستمر على أساليب التدريس الحديثة، وتمكينهم لأجل التركيز على الطلاب بشكل أكبر، وتقديم اختبارات قياس قدرات تركز على الفهم والاستنتاج وليس على الحفظ فقط.
أوضح التربوي سراج مصطفى، أن الاعتماد على المدرس الخصوصي يضعف اعتماد الطالب على نفسه، حيث يتعود على تلقي الحلول الجاهزة بدلاً من التفكير والتحليل الذاتي، وهذا يؤثر سلباً في مهاراته في حل المشكلات، وتطوير قدراته الأكاديمية.
وقال هنالك قصور في فهم أولياء الأمور لمعايير القبول التي استحدثتها وزارة التعليم العالي، وهي أن القرارات الجديدة القصد منها التركيز على مهارات الطالب والفهم الحقيقي للمادة، وتطوير التفكير النقدي والاستيعاب العميق، وهي حلول بديلة يمكن أن تقلل اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية.
وأضاف أن الدروس الخصوصية يمكن أن تكون باهظة الثمن، ما يضع عبئاً مالياً على بعض الأسر، خاصة إذا كانت هناك حاجة لدروس إضافية في مواد متعددة، والطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية قد يواجهون صعوبة في تنظيم أوقاتهم بين الدروس المدرسية والدروس الخصوصية، ما قد يؤدي إلى الإرهاق والتوتر.
وقال: إن مواجهة هذا التحدي تتمثل في التخطيط المبكر لطريقة الدراسة في المنزل، بأن يبدأ الطالب التحضير المبكر للامتحانات، وتحديد الأهداف بدقة، والتركيز على الفهم العميق للمفاهيم، بدلاً من حفظ المعلومات فقط، والممارسة المستمرة عن طريق حل أسئلة من السنوات السابقة، وتنظيم المراجعات الدورية وتجنب التراكم في نهاية الفصل الدراسي. وأشار إلى أن هنالك اختلافاً في أسلوب التعلم، إذ ليس كل الطلاب يتعلمون بالطريقة ذاتها، وقد لا يتناسب أسلوب المدرس الخصوصي مع طريقة تعلم الطالب، ما يؤدي إلى صعوبة في الفهم، وبعض الطلاب قد يصبحون معتمدين بشكل كبير على المدرسين الخصوصيين ولا يطورون مهارات الدراسة الذاتية بشكل كافٍ.
تقييم ومتابعة
أكد المرشد الأكاديمي معاوية أحمد، أن المعلمين المدربين جيداً في المدارس قادرون على إيصال المعلومة بطريقة أفضل، ما يقلل الحاجة إلى الدروس الخصوصية. وتحسين التدريس يتطلب مجموعة من الإجراءات المتكاملة التي تضمن تقديم تعليم فعّال ومؤثر، منها تنظيم ورش ودورات تدريبية للمعلمين لتعريفهم بأحدث أساليب التدريس والتكنولوجيا التعليمية. ودعا إلى توظيف المزيد من المعلمين لتقليل الضغط على المعلمين الحاليين وتحسين التدريس، واستخدام التعليم المدمج (التعليم التقليدي مع التعليم عبر الإنترنت) لتوزيع عبء التدريس بطرائق أكثر كفاءة. وتقديم حوافز مالية ومعنوية للمعلمين المتميزين لتشجيعهم على تطوير أساليبهم التعليمية، وإنشاء أنظمة تقييم مستمرة لأداء المعلمين، مع تقديم ملاحظات بنّاءة لمساعدتهم على التحسن.
وقال: إن هنالك حاجة ملحة لتطوير أساليب التدريس لتكون أكثر تفاعلية وعملية، بحيث تعتمد على الفهم والتطبيق بدلاً من الحفظ، ودمج التكنولوجيا في التدريس، مثل استخدام العروض التقديمية، والمحاكاة الرقمية، والتجارب الافتراضية في المواد العلمية. مشيراً إلى أهمية إدخال مهارات التفكير النقدي والإبداعي ضمن المناهج لتشجيع الطلاب على التحليل والاستنتاج بدلاً من التلقين.
أدوات حديثة
وأكد استحداث أدوات تعليمية حديثة، مثل المعامل المتطورة، والسبورات الذكية، والمكتبات الرقمية، وتحسين البنية التحتية للمدارس، بما يشمل الفصول المريحة، والإضاءة الجيدة، والتهوية المناسبة، وتعزيز الأنشطة اللاصفية، مثل المشاريع العملية، والمسابقات العلمية، والرحلات التعليمية، لجعل التعلم أكثر تشويقاً، وتعزيز العلاقة بين المعلم والطالب.
وقال: إن التعلم القائم على المشاريع والمناقشات الجماعية، يشجع الأساليب التفاعلية في التدريس، وفتح قنوات تواصل مستمرة بين الطلاب والمعلمين لتقديم الدعم الأكاديمي والإرشاد، وإشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية عبر الاجتماعات الدورية والتقارير التفاعلية عن أداء الطلاب، وإنشاء منصات تعليمية إلكترونية تقدم شروحاً إضافية ومواد تعليمية مساعدة.
الفيديوهات التوضيحية
ودعا إلى توفير تطبيقات تعليمية تساعد الطلاب على المذاكرة بطرق مبتكرة مثل الفيديوهات التوضيحية والألعاب التعليمية، وتشجيع التعلم الذاتي عبر مصادر رقمية مثل الدورات المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs)، مشيراً إلى أن تحسين التدريس لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه استثمار ضروري لبناء جيل أكثر قدرة على الفهم والإبداع.
تباين
أفادت المرشدة الأكاديمية سمية عبد الرحيم، أن إحدى السلبيات الكبرى للمعلم الخصوصي تكمن في خلق الفجوة بين الطلاب، حيث يصبح التفوق الدراسي مرتبطاً بالقدرة المادية للأسرة، ما يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص بين الطلاب، وأغلبية الطلبة الذين يعتمدون على الدروس الخصوصية لديهم نوع من التشتت وعدم القدرة على تنظيم الوقت، حيث إن الطالب يعود من مدرسته ليتوجه بعدها إلى المدرس الخصوصي، الأمر الذي يترتب عليه هدر الوقت والإرهاق والتعب وعدم القدرة على حل الواجبات الأخرى المنوط بها الطالب.
وقالت: إن هناك عدة حلول يمكن أن تقلل من اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية، منها تحسين التدريس في المدارس، واعتماد معايير تقييم متعددة تشمل الأنشطة والمشاريع بدلاً من الاعتماد الكلي على الامتحانات، وتقديم اختبارات قياس قدرات تركز على الفهم والاستنتاج وليس على الحفظ فقط، زيادة الفرص المتاحة للطلاب لدخول الجامعات بطرق مختلفة.
ودعت إلى التوعية بأهمية الفهم العميق للمادة وتوجيه الطلاب وأولياء الأمور إلى أهمية الفهم بدلاً من الحفظ من أجل النجاح في الحياة العملية، وتنظيم ندوات وورش عن طرائق التعلم الفعّالة، وتعزيز ثقافة البحث والاستكشاف العلمي بدلاً من الاعتماد على التلقين، واستخدام التكنولوجيا في التعليم، مثل المنصات التعليمية المجانية، لأنها توسّع نطاق الوصول إلى المعرفة.
دور أكبر
أكدت إحسان يوسف، مرشدة أكاديمية أن للأسرة دوراً حيوياً في تحسين التعليم ودعم نجاح الطلاب، فهي الشريك الأساسي للمدرسة في العملية التعليمية، بتوفير بيئة تعليمية داعمة، وتخصيص مكان هادئ ومريح للمذاكرة بعيداً من المشتتات، وتنظيم جدول يومي متوازن بين الدراسة والراحة والترفيه، وغرس حب التعلم والاستقلالية، بجانب أهمية التواصل المستمر مع المدرسة.
وقالت إن تشجيع الطفل على القراءة والاستكشاف، بدلاً من الاعتماد على الحفظ فقط يساعده على الاعتماد على نفسه من دون الحاجة إلى المدرس الخصوصي، لأن ذلك يؤدي إلى تعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات بالنقاشات والأسئلة المفتوحة، وتشجيع الطفل على طلب المساعدة من معلميه عندما يواجه صعوبات.
دور الأسرة
وشددت على أن يكون للأسرة دور كبير في تنظيم وقت الطفل، من خلال وضع جدول زمني مرن يوازن بين الدراسة والأنشطة الأخرى، وتشجيعه على الاستعداد المسبق للاختبارات بدلاً من المذاكرة المتأخرة، ومراقبة وقت استخدام الأجهزة الإلكترونية لضمان عدم تأثيرها في الدراسة. ولفتت إلى أهمية تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة المدرسية مثل المسابقات والمشاريع، وتوفير فرص لتنمية المهارات الإبداعية مثل الفنون والرياضة والبرمجة، وتعزيز روح التعاون والعمل الجماعي بالأنشطة الاجتماعية والتطوعية.
الاعتماد المفرط.. مشكلة تربوية
أوضح المرشد الأكاديمي سهيل العامري، أن الاعتماد على المدرس الخصوصي بإفراط مشكلة تربوية تؤثر في تحصيل الطالب واستقلاليته في التعلم، وعندما يعتمد الطالب على المدرس الخصوصي لحل كل مشاكله الدراسية، فإنه يفقد القدرة على البحث والتفكير النقدي وحل المشكلات بنفسه، وقد يهمل دروسه في المدرسة أو لا يبذل جهداً كافياً فيها، لأنه يعلم أن المدرس الخصوصي سيعيد شرح كل شيء لاحقاً.
وقال: إن الدروس الخصوصية قد تشكل عبئاً مادياً كبيراً على الأهل، خاصة إذا أصبحت حاجة دائمة.
0 تعليق