* المسلّم: صون التراث مسؤولية جماعية
في محطتها الرابعة، وبعد مدينتي الشارقة وكلباء ومليحة، افتتح د.عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس اللجنة العليا المنظمة لفعاليات أيام الشارقة التراثية، الدورة الثانية والعشرين من فعالياتها في مدينة الحمرية.
وضمت الفعاليات التي تقام في موقع القرية التراثية في الحمرية، مساحات مخصصة لتجسيد طبيعة البيئة البرية بتفاصيلها المختلفة، إلى جانب عرض عدد من بيوت القصب والشعر التي تضم مقتنيات البيت الإماراتي القديم وأثاثه التقليدي. وتستعرض الفعاليات مجموعة من الهوايات والحرف التقليدية مثل الصقّارة، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للزوار للاطلاع على تجربة الحديقة المستدامة وتقنيات الزراعة بالأفلاج، والتي تعكس ارتباط الزراعة بالإرث التراثي المحلي.
وقال المسلم: «ليس جديداً على أهالي الحمرية محبتهم وفخرهم بنشر التراث الإماراتي والعناية به، إذ أصبح ذلك مسؤولية جماعية وأمانة يحملونها. والنجاحات المتحققة في صون التراث جزء من أداء هذه الأمانة، وتجسيد للوفاء للوطن وقيادته».
وفي الإطار، زار المسلم معرض «متاحف على الطريق»، الذي أقيم ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية في الحمرية، ويضم مجموعة من اللوحات الفنية الحديثة التي تعبر عن التراث.
واستمع رئيس معهد الشارقة للتراث إلى شرحٍ مفصل حول الأعمال المعروضة قدمته المتخصصة فاطمة الحميري، وأثنى على الجهود المبذولة، وأشاد بجماليات اللوحات وما تعكسه من دلالات تراثية عميقة.
وتضمنت فقرات افتتاح فعاليات أيام الشارقة التراثية جولة في مياه الحمرية، حيث تعرف الحضور إلى معروضات البيئة البحرية التي شملت نماذج للسفن القديمة، ومجموعة من أدوات الملاحة والغوص، بالإضافة إلى مشغولات يدوية مرتبطة بمهنة «النواخذة» مثل صناعة «الليخ».
وزُينت المساحة المخصصة للبيئة البحرية بأنواع مختلفة من الحبال والشِّبَاك، ما منح الزوار صورة متكاملة عن حياة البحر وظروف العمل فيه في التراث الإماراتي، وهو ما لاقى إعجاب الحضور والجمهور.
ترجمة الكتابات الغربية
أكد باحثون وأكاديميون متخصصون في التاريخ والتراث والحضارة أن كتابات الرحالة الغربيين تُعدّ مصادر مهمة في فهم وتفسير تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، مشددين على أهمية ترجمة جميع الكتابات المدونة في هذا المجال وإتاحتها للباحثين العرب، لسد الفجوات المعرفية الناتجة عن شُحِّ المعلومات وندرة المصادر العربية المدونة، خصوصاً في الدراسات التاريخية والتراثية.
جاء ذلك خلال ندوة بعنوان «التراث الثقافي العربي في كتابات الغربيين»، التي أقيمت في البيت الغربي ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية، بمشاركة د. سيف البدواوي، ود.علي عفيفي، ود. مسعود إدريس، والباحث علي أحمد الكندي المرر، وأدار الندوة د.مني بو نعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث.
وفي مداخلته، قال المرر: «إن شُحَّ المعلومات عن مدينةٍ مهمةٍ مثل الظفرة، وعدم كفاية الموروث الشفهي، إضافةً إلى وفاة العديد من معاصري تلك الحقبة، دفعتني إلى الاطلاع على كتب الرحالة الغربيين الذين زاروها وكتبوا عنها. واستفدت كثيراً من معلوماتهم، فرغم وجود توجهات معينة لدى بعضهم، إلا أن ما تركوه من معلوماتٍ يستحق الاهتمام. ومن خلال كتاباتهم، تمكّنا من التعرف إلى العديد من المعالم الأثرية، مثل القلاع والأبراج في المدينة، ما ساعدنا على حفظ الكثير من تراثنا من الضياع».
وتطرق البدواوي إلى رحلة بيسي كوكس، المقيم السياسي البريطاني في دول الخليج آنذاك، مشيراً إلى أن دراسته لرحلته كشفت عن العديد من الفجوات المعلوماتية، إذ لم تُوضّح الخرائط التي دُوّنت آنذاك موقع جبل حفيت القريب من البريمي، كما لم تتضمن الإشارة بدقة إلى القرى الواقعة بين البريمي وضنك، وسلسلة الجبال الممتدة بين عبري وجبرين، إضافة إلى غياب أي مسح دقيق لمناطق عُمان الداخلية.
وفي ورقته المعنونة «التراث الثقافي للعراق وشبه الجزيرة العربية في كتابات الغربيين»، أوضح عفيفي أن تنوع الخلفيات الفكرية للرحالة أدى إلى تفاوت وجهات نظرهم حول المنطقة، إذ قدّم كل منهم معلوماته من زاوية نظره الخاصة. وأضاف: «رغم أهمية دراسة ما كتبوه، ينبغي إخضاع هذه الكتابات للبحث والتحليل، فبعض الرحالة مجهولون، وبعضهم الآخر بالغوا في وصف الأحداث، بينما دوّن آخرون رحلاتهم بناءً على ظروف عملهم أو انطلاقاً من أفكار مسبقة، غالباً ما تكون مغلوطة».
وتطرق عفيفي إلى مسار تطور الخطوط العربية ورحلتها عبر العصور.
أما د. مسعود إدريس، الأستاذ في جامعة الشارقة، فأشار إلى أن الباحثين في مجال التاريخ والتراث ينقسمون إلى ثلاث فئات، وفقاً للمراحل الزمنية التي كُتبت فيها الدراسات: الأولى تشمل ما كُتب بين القرن الثامن والخامس عشر الميلادي، والثانية بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر الميلادي، والثالثة تمتد من القرن العشرين إلى وقتنا.
وبيّن الدور البارز الذي لعبه الباحثون الألمان والإنجليز في ترجمة مصادر الحضارة الإسلامية، مشدداً على ضرورة الانتباه إلى تطور أفكار المؤرخين أثناء تناولهم للحقبة التاريخية ذاتها، حيث تختلف رؤاهم تبعاً لتغير السياقات الفكرية والمجتمعية.
لمسات مغربية
مصنوعات جلدية، ونقوش جصية، وصناعات نسيجية، وسجاد، وتطريز، وزخرفة السروج البيضاء، والأسلحة التقليدية، وخياطة القفاطين، وتجليد المخطوطات والكتب، جميعها حرف تقليدية تميّز مشاركة المملكة المغربية في فعاليات أيام الشارقة التراثية.
جاءت هذه الحرف من فاس، وإقليم فجيج، ومختلف مدن وأقاليم المغرب، واستقرت في نحو 20 محلاً، حيث يزاول حرفيوها صناعاتهم أمام الجمهور، مرتدين اللباس التراثي المغربي المعروف بالقفطان والطربوش الأحمر. وعند مدخل المحلات، يستقبلك د. يحيى لطف العبّالي، رئيس الحرفيين المغاربة المشاركين، قائلاً: «هذه مجموعة من الحرف الشعبية المغربية التي تعكس بيئات البلاد المختلفة ومناطقها المتعددة، وأدهشتنا حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، ومنحتنا هذه المشاركة الفرصة لعرض تراثنا والتعرف إلى تراث الشعوب الأخرى».
0 تعليق