الشاعرة المغربية فدوى الزياني: الكاتب مشروع تمرد على السائد والثابت.. والأدب رحلة بحث عن الحقيقة والحرية

الوطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشاعرة المغربية فدوى الزياني: الكاتب مشروع تمرد على السائد والثابت.. والأدب رحلة بحث عن الحقيقة والحرية, اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 09:57 مساءً

في حضرة الشعر تتوارى الحدود، ويصبح للكلمة جناح يحلق فوق الجغرافيا والتاريخ، هناك، حيث يلتقي الحرف بروح الشاعر، تولد القصيدة كنبض حي لا يشيخ ولا يخبو وهجه، في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تتعانق الثقافات وتصدح الأصوات، تحضر الشاعرة المغربية فدوى الزياني محملة بفيض من الإبداع، تحمل معها رائحة الأطلس، ونسائم الأطلسي، وإيقاع الروح الذي يسكن نصوصها.

في هذا اللقاء، نقترب من عوالمها الإبداعية، نحاورها عن تجربتها الشعرية، ورؤيتها للمشهد الأدبي العربي، ومكانة الشعر في زمن المتغيرات، وموقع الأدب المغربي على خريطة الثقافة العربية، حيث تبوح لنا ببعض أسرار الحرف، وتجعلنا نطل على مرآة الشعر كما تراها روحها الحائرة بين السؤال والقصيدة.

- بديوانك «خريف أزرق» يتساقط الزمن كأوراق شجر في خريف طويل.. كيف يمكن تفسير هذا التصوير الزمني من خلال التفاعل بين الذاكرة والمكان في نصوصك؟

أغلب نصوص «خريف أزرق» والتي كانت أول مجموعة لي، كتبت في خريف طويل وبارد أمام البحر، الحزن والوحدة، وكل المشاعر التي ترتبط بقلقنا الوجوديّ، هي مشاعر يتضاعف الإحساس الزمني بها، وهذا ما كان واضحا في نصوص المجموعة، الزمن كخريف والبحر كلون، هما من عكسا كيفية مرور الوقت وصورا تأثيره كحالة ذهنية متماهية مع الذاكرة والمكان.في الشعر لا ثبات للزمن ولا تشابه في الأمكنة، اختلاف الأشياء وانعكاس الصور على غير هيئتها هو ما يجعل الكتابة متاهة كبيرة، يحاول الكاتب رسمها ودخولها ثم محاولة الخروج منها وهذه هي قوة الشعر.

- تتسم مجموعة «إيماءات شعرية» بتكثيف الصور والتلميحات.. كيف تؤثر هذه «الإيماءات» على القارئ في إحداث انطباع شعري أو فكري يظل عالقا بالذهن؟

لجمل الشعرية المكثفة والتفاصيل المتحركة في الصورة هي ما تمنح النص عمقه وثباته وأصالته، والجواب عن هذا السؤال غالبا من حق القارئ، لأن تأثير النص من عدمه يبدأ من عنده، كشاعرة لا أظنني أستطيع فهم الجدلية التي تجمع بين القارئ والنص، وقلت في حوار سابق: «وظيفة الشاعر أن يبحث عن الحب لدرجة استيعاب الشرّ كله»، أما الكتابة فهي أرض الله الواسعة، والشعر أقدامك التي تقفز بك باتجاه الصحاري والحقول والغابات.

- في «أسبق النهر بخطوة» تلاعبتِ بالمفاهيم الفلسفية للزمن والموت.. كيف ترين تأثير هذه المفاهيم على الوعي الجمعي في المجتمع العربي والمغربي بشكل خاص؟

هنا سأجيب عن وعيي الشخصي بهذه المفاهيم، نصوص «أسبق النهر بخطوة» نتيجة تجربة قاسية مريرة عشتها، بسبب مرض أمي رحمها الله، هذا المرض اللعين الذي أكل من روحها وجسدها لثلاث سنوات، ما جعلني قريبة جدا منها ومن الموت أيضا، هذا الإحساس المريع الذي يجعلك ترى هذا العالم الكبير والذي أنت جزء صغير جدا منه، يتداعى ويتلاشى أمام عينيك.. لذا فأغلب نصوص المجموعة تتحدث عن الحب والموت، اللذان أعتبرهما الحقيقة الوحيدة والثابتة في هذه الحياة.

- «خدعة النور في آخر الممر» تطرح تساؤلات عن الحقيقة والخداع.. أقصدت تقديم تجربة شعورية عن صراع الإنسان مع ذاته أم أن هناك انتقادا اجتماعيا في جوهر هذه القصائد؟

الكتابة عموما انتقاد اجتماعي وتساؤلات عميقة ومتعددة عن حقيقة الإنسان وتفاعله مع الحياة بكل تحدياتها، بريشة أو بمشرط، كلها محاولات مستميتة لجعل العالم يبدو أجمل.

- من خلال ديوان «ماتريوشكا» تلعبين على فكرة التقاطعات الثقافية.. كيف ترين هذا التداخل بين الهويات المتعددة؟ وهل هو انعكاس لتجربة شخصية أم محاولة للحديث عن واقع مشترك؟

هناك علاقة جدلية دائمة بين المفردة وبيئتها، وبين النص وتجارب صاحبه، وهذا لا يبعده نهائيا عن كونه فردا من مجتمع كبير وواقع مشترك ومتشابه في أغلب الأحيان، «ماتريوشكا» كانت شكلا من الكتابة يحاكي فكرة الدمية الروسَّية في تشابه وجوهها واختلاف حجمها واستيعاب الدمى الأكبر للأصغر منها، وهذا متماثل من حيث الأفكار وصياغتها وابتلاع الفكرة الأعمق للفكرة الأصغر، وأيضا في تكوين النص من مجموعة من التفاصيل والأفكار الصغيرة التي تكبر وتمد يديها لتسحبك خارجه.

- تُترجم نصوصك إلى عدة لغات ما يعكس انتشار قصائدك على المستوى العالمي.. ماذا عن تأثير هذه الترجمات في الحفاظ على الهوية الثقافية للنصوص؟.. وهل تختلف التجربة الشعرية بحسب اللغات المترجمة إليها؟

يقول عباس بيضون «المطلوب من الترجمة ذلك الشيء الغامض والشعري والذي لا يمكن للمترجم إعادة إنتاجه إلا إذا كان شاعرا»، ونجاح الترجمة في توصيل صوتك إلى العالم رهين بالمترجم في التعامل مع نصك بحرص وحساسية عاليتين، قادرا على ابتداع حيوات أخرى فيه، مع إعادة تكوينه في لغته الجديدة دون التخلص من هويته وأصالته.

- هناك سمتين بارزتين في أعمالك هما الشفافية والعمق الفلسفي.. كيف تحققين التوازن بين الإثارة الشعرية والتفكير الفلسفي؟

أصل الشّعر هو الإحساس، وما يأتي بعد ذلك من تجارب وفكر ووعي بالمجتمع وتحولاته، هو الذي يمنحه بعد ذلك عمقه الفكري ودلالاته الأدبية والفلسفية، ويمكنني القول إنني حاولت خلق هذا التوازن ولو بشكل مبسط.

- ما الذي يميز قصائدك عن الشعراء المغاربة المعاصرين؟.. وهل يمكن اعتبارك جزءا من تجديد الشعر العربي المعاصر؟

نحن الآن في عصر العولمة والكونية، والعالم تجاوز فكرة القومية، في اعتقادي الشعر يوحد البشرية والإنسانية، وهو أيضا لغة مشتركة ومتشابهة بين الشعوب، مثل الموسيقى والفنون والإبداع التي رغم اختلافها وتنوعها فهي تصل، والشاعر ليس من المفروض أن يكون منغلقا على ذاته، أن تكون شاعرا هذا يعني تماهيك مع العالم وجدانيا فيما تطرحه في لغتك وأفكارك ومفرداتك الشعرية.

- كيف تعكس أعمالك في مجموعاتك المختلفة تأثيرات شعرية من ثقافات أخرى؟.. وهل تظل هذه التأثيرات جزئية أم تؤثر بشكل جوهري على أسلوبك؟

في نصوصي وخلال كل مجموعاتي الشعرية الخمسة، «خريف أزرق»، «إيماءات شعرية»، «أسبق النًّهر بخطوة»، «خدعة النور في آخر الممر»، «ماتريوشكا»، و«ضد الوحدة»، كنت أراهن فيها على الشعر، وأن يكون لسان حالي ولسان حال الإنسان في حياته وما يدور حوله، وحال الشعوب في القضايا التي تمس حياته اليومية، تاريخه، مستقبله وأحلامه، لكن فظاعة الحروب حولنا في غزة والسودان واليمن وهنا وهناك، جعلت كل قصيدة لا تكاد تغطي ولو جزءا صغيرا من معاناة الشعوب حول العالم، بل لا تكاد تغطي هشاشتها أمام قبحه.

الموت صار أشكالا وألوانا مختلفة، الألم تجاوز كل الحدود، قتل، أمراض، جوع، تهجير، تعذيب أطفال وأرامل ومعاقين، مفقودين، أمام هول الألم وهذه الكوارث الإنسانية، لنقل إنَّ الشِّعر هو سلاحنا الأخير، ونضالنا لتوصيل صوتنا إلى العالم محاولين بكل قوَّتنا أن نساهم ولو قليلا في مقاومة كل أشكال التهميش والظلم وقهر الإنسان.

- أيمكن القول إنك شاعرة متمردة على السرد التقليدي للأدب العربي.. وكيف تتعاملين مع المفاهيم الثابتة في شعرك مثل المكان والزمان والهوية؟

الحصار هو ما يولد الرغبة في تكسيره، والضَّيق هو الذي يدعونا الى البحث عن سبل الانعتاق، لذا كل ما كانت المجتمعات تبالغ في تحفظها وتعاملها مع الثابت كمعتقد يحاول الكاتب أن يتمرد عليها، الكاتب بكل تنوعه مشروع تمرد على السائد والثابت، والكتابة رحلة بحث عن الحقيقة والتحول والاختلاف والحرية، ولا حرية أبدا بين جدران أو بين أفكار جاهزة ومفاهيم لا تتغير مع تحولات المجتمع والتطور السريع والمجنون للعالم.

- في «أسبق النهر بخطوة» تلامسين موضوعات الفقد والزمان الممزق.. أهو تعبير عن الألم الفردي والجمعي في سياق الشعر المغربي المعاصر؟

موضوعات الفقد والألم الفردي حالات نعيشها جميعا، وهذا ما جاء في أغلب نصوص «أسبق النهر بخطوة»، يعتقد الكثيرون أن الحزن هو الرافد الأساسي لكتاباتي، وهذه حقيقة لا هروب منها، لكن طبعا هناك فرح لكنه لا يقاس أبدا بالحزن، المقطع الأول الذي كان مدخلا «خريف أزرق» وأيضا في مجموعتي الشعرية الأخيرة «ضدَّ الوحدة»، هو مقطع صغير للشاعر الفرنسي «روني شار»، يقول فيه: «إن الشِّعر لا ينمو إلا بين النوائب ولا ينبت إلا على أرض محروقة».

بالطبع نحن نتفق جميعا أن الكتابة تستحيل نوعا ما في حالة الفرح، لانشغالنا حينها بانتصاراتنا الوهمية الصغيرة، لكننا نبدع ونكون أكثر عمقا وتأملا في حالات الحزن والخيبة.

- كيف تتعاملين مع قضية اللغة في شعرك؟.. هل تعكس هذه اللغة بنية ثقافية مغربية عميقة أم أنها عالمية ذات بعد شعري؟

اللغة هي هويتنا أينما ولدنا، واللغة التي تصل إلى القارئ عبر العالم هي لغتك التي تعكس جذورك وهويتك وعمقك الثقافي والإنساني.

- تستخدمين صورا مدهشة للطبيعة والحياة اليومية.. ما دلالة هذه الصور في تكوين معاني قصائدك؟ وكيف تستخدميها لتوحيد الأفكار الكبيرة مع التفاصيل الصغيرة

التفاصيل الصغيرة هي التي تلتقط الشعر من حقول الحياة ومن الطبيعة والوجود المتكامل حولنا برقته وجماله وقسوته وشذوذه أحيانا، لتنساب في النص بتلقائية وهدوء، لتتوحد في النهاية في نص له عمقه الأدبي والفلسفي، كما قالها الفيلسوف الصينيLao-Tseu : «تراكم التفاصيل الصغيرة، يبني الحدث الكبير».

- بما نصنف العلاقة بين الشخصي والسياسي في أعمالك؟.. وهل يمكن اعتبار قصائدك جزءا من شعر المقاومة؟

الشعر، الكتابة، الموسيقى، الفنون كلها أشكال متعددة للمقاومة، إبداع الجديد ومحاولة خلق التحول هو دائما مقاومة لكل ما هو سائد وطاغ.

- ماذا عن تأثير الأدب المغربي على الثقافة العربية بشكل عام؟.. وهل يعاني أي نوع من العزلة؟

لا شكَّ أنَّ الأدب المغربي له تأثيره العميق على الأدب العربي، وهو ركيزة ثقافية ثابتة بما يشمله من تميز وتفاعل نقدي دائم، وهذا ما يؤكد عدم وجود عزلة ثقافية في المغرب، والمغرب لديه مجموعة مهمة من الكتابات والترجمات في لغات عديدة، وخاصة في اللغتين الفرنسية والإسبانية، ولديه نخبة رائدة من المترجمين في هذا المجال، وهناك مجموعة مهمة من المفكرين والأدباء والمؤرخين، منهم المهدي المنجرة، عبد الله العروي، محمد زفزاف، محمد شكري، محمد برادة، محمد خير الدين وعبد الفتاح كيلوطو، وكلهم كتاب رواد في مجالاتهم الفكرية والإبداعية، ويعدون من نخبة الكتاب والنقاد والباحثين والحداثيين في الدراسات الفكرية والأدبية العربية، والمؤثرين مغاربيا وعربيا في تبني الحداثة كقيمة حضارية وإنسانية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق